عدوان أمريكي على فلسطين لحساب إسرائيل
توقف الخبراء السياسيون فى مصر وبعض الدوائر العربية أمام تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، التى هدد فيها بوقف المساعدات الأمريكية عن مصر والأردن فى حالة عدم قبولهما استقبال الفلسطينيين على أراضيهما. وأن ذلك يؤثر سلباً على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
هذا كلام لا يقوله رئيس دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية. فقد تم رفضه مصرياً وعربياً. بل إن بعض دوائر العالم وقفت مع الموقف المصرى ضد ما تريد أن تذهب إليه أمريكا. بل إن بعضهم يرون الأمور بِبُعد استراتيجى ضخم أن المخاطر التى يمكن أن تترتب على مشاركة مصر فى تهجير الفلسطينيين كبيرة جداً، وتؤثر على اللحظة الراهنة والزمن الآتى. وتأكل كثيراً من الدور المصرى العظيم والذى شهد به التاريخ، وتحدث عنه الجميع فى دعم مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى وشعبه وحكومته للقضية الفلسطينية. لدرجة أن البعض يعتبرها قضية مصرية.
وقفت حائراً أمام ما قاله الرئيس الأمريكى. ووصلت ليقين رفض هذا الذى يقوله من منطلقات وطنية وقومية ودولية. لأننى لى موقف ثابت من العلاقات المصرية الأمريكية، إلا أننى لم أتصور أن يأتى فى أمريكا رئيس ينحاز للعدو الإسرائيلى بهذه الصورة التى تتفوق حتى على الخيال الإنسانى.
المصريون تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً يرفضون أى تهجير فلسطينى سواء إلى سيناء أو إلى أى بُقعة أخرى خارج فلسطين، سواء كانت فى الأردن الشقيق أو المملكة العربية السعودية الشقيقة حسب المقترحات الأمريكية المطروحة.
كل مصرى يقول هذا الكلام رغم معرفة الجميع بمعاهدة السلام المُبرمة مع العدو الإسرائيلى، التى التزمت بها مصر التزاماً كاملاً ونفذتها بكل دقة وعناية رغم تغير العهود وتبدل الأوضاع وانتقال مركز الثِقل من مكانه إلى مكان آخر. سواء على مستوى العالم أو فى منطقتنا العربية التى يسمونها الشرق الأوسط. وإن كنت أحب تعبير الوطن العربى.
ولو أن القيادة الأمريكية درست معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وتاريخها فى أمريكا ومواقف الرؤساء الأمريكان منها منذ أن أُبرمت وحتى الآن، ستكتشف أن ما قاله ترامب كلام بالغ الخطورة ما كان يجب أن ينطق به رئيس أكبر دولة فى العالم. حسب ما يقولونه آناء الليل وأطراف النهار.
إن ما يتحدث عنه ترامب عملية اختراق كاملة ومذهلة ولم تحدث من قبل للقانون الدولى، وتحاول إبادة شعب بأكمله وحرمانه من أرضه وتاريخه وحياته وتهجيره بالقوة ورغم أنف الجميع. وعلى العالم أن يمتثل لهذه الإرادة الظالمة التى يجب الوقوف أمامها فى كل مكان من الدنيا.
فالمصريون جميعاً يقفون وقفة رجل واحد خلف رئيسهم وجيشهم وبلدهم ضد هذه المقترحات التى تجعل المنطقة على أبواب مجهولٍ لا يستطيع أحد التنبؤ بما يصل إليه. إن كان الرئيس الأمريكى قد نسى فعلينا أن نُذكِّره أن هذه المساعدات ليست تفضلاً من واشنطن ونيويورك على القاهرة والإسكندرية، ولكنها تنفيذ لاتفاقية سلام شهِد الجميع بآثارها.
بل إن من رفضوها من المصريين وقت أن وقعت، وكاتب هذه السطور واحد منهم، اضطروا أن يتعايشوا مع هذا الوضع بعد ذلك. وها هو رئيس أمريكا يتحدث ويقول كلاماً بالغ الخطورة. فمصر لا يُمكن أن توافق على التهجير، ولا أن تُشارك فيه، ولا تُقدم أرضاً بديلة له.
وتعالوا نحاول قراءة الأدب الأمريكى، خاصة الروائى منه فى القرن العشرين والقرن الذى تلاه. لنكتشف أن هذه الدولة الكبرى تاجرت بحقوق الإنسان واستخدمتها مطية للتدخل فى شئون الدول. وها هو الرئيس الأمريكى نفسه لا يُبالى إلا بما يريده. وما يرغبه ألا تكون هناك فلسطين أبداً إلا بشروط الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما لن يحدث مهما كانت الظروف.
فنحن نعيش فى عالم واحد، وأمريكا لم تحصل على تفويض بأن تضع حدود الدول فى هذا العالم، وفلسطين وعاصمتها القُدس الشريف حقيقة مؤكدة لا يمكن الاقتراب منها.
إننى لحظة كتابة هذا الكلام أتذكر شعر محمود درويش وسميح القاسم، وروايات إميل حبيبى، وكافة أشكال التعبير التى صدرت وما زالت تصدر وستستمر فى الصدور عن فلسطين الحبيبة التى كنتُ أحلُم -وما زلت وسأظل- أن تعود لأهلها كما يجب أن تكون الأمور. ولذلك لن يهدأ لنا بال قبل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.