فضيلة المراجعة

ماهر فرغلى

ماهر فرغلى

كاتب صحفي

المراجعة تضمن النجاح والبقاء، وهى جزء من الإخلاص والصفاء القلبى، وفى أحيان كثيرة حب الوطن هو جزء أصيل من حب الله، ولو عقدنا مقارنة بين الجماعة الإسلامية التى أجرت مراجعة لمواقفها السياسية فى نهاية التسعينات، مع جماعة الإخوان الآن لاستطعنا أن نُقيّم بحق جماعة الإخوان، فالجهاديون رغم كل أخطائهم الفادحة أكثر إخلاصاً للفكرة التى يعتنقونها، ولديهم خطة واضحة المعالم لما هم عازمون على فعله، حتى لو كلفهم ذلك الكثير، سواء أرواحهم أو أموالهم، كما أن لديهم خطين متوازيين فقط، وهما إما اليمين وإما اليسار، ولا منتصف بينهما، لذا فهو حين المراجعة يستطيع أن يختار بين الطريقين بسهولة.

أما الإخوان فلا توجد لديهم خطوط واضحة لأفعالهم، والعمى الاستراتيجى هو أهم صفة لديهم، فقط هو بقاء الجماعة والكيان التنظيمى، ولديهم خطوط كثيرة جداً لا عدد لها، تُغلفها أحياناً المصالح الشخصية أو التنظيمية، والخلط واضح وكبير جداً بين هذه المصالح، بحيث لا تستطيع أن تكشفه بسهولة، ومن هنا ستجد العضو الإخوانى مأزوماً على المستوى الشخصى بين كل هذه المصالح وبين قدرته على التخفّى، فهو يريد أن يكون بطلاً أمام قيادات التنظيم، وفى الوقت ذاته بطلاً أيضاً أمام الناس.. وتنظيمياً أمام أعضاء الجماعة ووطنياً وثورياً قبالة الوطنيين!

يبحث الإخوانى عن مهرب للأزمة الذاتية التى يشعر بها، وحين لا يجد سبيلاً يجعل الوطن هو العدو... لا مشكلة لديه لو تم هدم الدولة بالكامل على رؤوس ساكنيها، المهم أن يبقى هو، وأن تستمر الجماعة التى قدّمت له الرعاية والحماية الاجتماعية، فهو كائن تنظيمى لا يستطيع أن يعيش بمعزل عنها، وقدراته الفردية محدودة للغاية، ولو غيّرت الجماعة استراتيجياتها سيغير معها تلقائياً، ويحدّثك عن الشرف والنقاء التنظيمى والطهارة الثورية والحفاظ على مبادئ المؤسسين، فالإخوانى انتهازى، لا مبادئ له، الجماعة فقط هى فكرته ومبادئه، والجماعة فقط هى مصلحته العامة والخاصة.

من ثم لا عجب لو حدّثك الإخوانى عن الجهاد وأنه يتمنّى لو قُتل فى القدس الشريف، وهو جبان مهزوم وهارب، ولو حدّثك عن الشرف واتهمك بالخيانة، بنفس المصطلحات والكلمات والجمل المتكرّرة رغم أنه يخون وطنه ليل نهار، وقياداته يتعاملون مع أجهزة استخبارات عالمية رأى العين، ولو حدّثك عن قتل الأبرياء والسرقة... إلخ وهو يعرف أن الجماعة كانت تسرق التبرّعات باسم فلسطين والمسلمين فى البوسنة والصومال والمسجد الأقصى، وقتلت الأبرياء بالرصاص هنا وهناك، وبينه وبين نفسه يعرف أنه كاذب وانتهازى وخائن.

ولو بحثنا فى تاريخ «الإخوان» منذ نشأتها فى عام 1928 فستجد أنها لم تجرِ مراجعة مرة واحدة، لا لتاريخها، ولا أفكارها، وكل من أجرى مراجعة حقيقية قام بها بشكل فردى، وأغلبهم تمسّك بالثوابت والأصول الرئيسية للتنظيم، وراجع ما يحيط بهذه الثوابت فقط، أو اختلف معهم على القيادة والنفوذ والأموال.

وقد كان أمام الجماعة مجموعة كبيرة من الفرص التاريخية لتعترف بأخطائها فى حق الأمة كلها، لكنها اختارت الانحياز التنظيمى على حساب كل المصالح الأخرى، وآخرها أزمة تهجير سكان قطاع غزة، التى كانت خير مثل على الاتهامات، والخيانة، والانحياز إلى أعداء الوطن، وتنفيذ أجندات لا تخدم أحداً سواها فقط.

من هنا سترى أن الجهاديين أكثر صدقاً، والإخوان أكثر نفاقاً وكذباً وبهتاناً، وكلاهما يرتكب جرائم فى حق الدين والمجتمع والوطن، إلا أن الفريق الأول حين يتبين لهم أنهم على باطل يكونون أسرع اتجاهاً للمراجعة، أما الإخوان فيكونون أسرع اتجاهاً إلى التنظيم، فالوطن لديهم لا قيمة له، ولا حتى كل العالم يساوى عندهم حفنة تراب.