في مواجهة المخطط الصهيو- أمريكي
يراقب الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه تطورات تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تعد الأكثر إثارة للجدل بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه في غزة إلى مساحات من الأراضي في مصر والأردن وربما دول أخرى . يصطدم مقترح ترامب برفض عربي ودولي قاطع، فهو صادر عن من لا يملك مغتصبا حق الشعب الفلسطيني وحق الدول المجاورة من أشقائه بنوع من الافتراء بالقوة غير مراع للقانون الدولي أو لحقوق شعب اغتصب حقه منذ ما يقرب من ثمانين عاما.
يُروَّج ترامب لمقترحه تحت ذريعة تحسين الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين، من خلال إعادة توطينهم في دول أخرى وتحويل قطاع غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، مما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الطرح.
فمن الناحية الاستراتيجية، يبدو أن الهدف الأساسي تفريغ القطاع من سكانه الفلسطينيين، وبالتالي إنهاء أي مطالبات مستقبلية بحق العودة أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ويُلاحظ أن هذا المقترح يتماشى مع رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى منذ عقود إلى تقليص الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
وبدعم من إدارة ترامب، يسعى هذا التيار إلى فرض واقع جديد يُنهي القضية الفلسطينية بشكل جذري.
إلا أن هذا الطرح قوبل برفض قاطع من الدول العربية المعنية خاصة مصر والأردن مؤكدتين أن الحل يكمن في دعم حقوق الشعب الفلسطيني على أرضه.
في هذا السياق، قدمت مصر ما يؤكد أنها ستقوم بطرح تصور كامل لإعادة إعمار غزة في وجود شعبها بدون تهجير، كما دعت إلى عقد قمة عربية طارئة في 27 فبراير الجاري لبحث التطورات الخطيرة للقضية الفلسطينية.
ومن المتوقع أن تشهد القمة توافقًا عربيًا على رفض هذا المخطط ووضع استراتيجيات لمواجهته.
بالنظر إلى تاريخ السياسات الأمريكية في المنطقة، يتضح أن إدارة ترامب تتبنى نهجًا يتجاهل الرأي العام العربي والإسلامي.
إلا أن هذا التجاهل قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على المصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة إذا ما تزايدت حدة الرفض الشعبي والرسمي لهذه السياسات.
بعد قيام أمريكا باحتلال العراق في عام 2003 ارتفع معدل الكراهية للولايات المتحدة بنسبة غير عادية وغير مسبوقة وزادت النزعة المعادية لها إلى مستويات مروعة، وانحطت صورة أمريكا في الدول الإسلامية إلى معدلات لفتت انتباه مراكز التفكير في أمريكا والتي بحثت في شأنها ولم تصل إلا أن ذلك كان بسبب السياسات التي انتهجها الإدارة الأمريكية ورئيسها جورج بوش.
إن أحداثا وقعت مؤخرا في دول أوروبية من مقيمين مسلمين أو عرب وربما تنتقل مثيلاتها إلى أمريكا نفسها تعبر عن الرفض العنيف لسياسات ترامب ودعواته وربما يتحول هذا الرفض إلى عنف بصورة خطيرة، كما أن نسبة الكراهية لأمريكا سترتفع بلا شك ارتفاعا سيضر بمصالحها وربما يتفق مليار ونصف المليار إنسان مسلم على مقاطعة أمريكا وبضائعها وهو ما يعد معادلا لأي عقوبات اقتصادية قد تفكر في فرضها على الدول التي لا تنفذ مطالب ترامب.
ومن المستبعد أن تستخدم أمريكا القوة لفرض هذا المخطط، نظرًا للتعقيدات الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية الفلسطينية.
فأي تدخل عسكري أو ضغوط سياسية قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وتفاقم الأزمات القائمة.
وفيما يخص قدرة الولايات المتحدة على إجبار مصر والأردن على قبول هذا المخطط، فإن ذلك يواجه عقبات كبيرة، خاصة في ظل الرفض الشعبي والرسمي في كلا البلدين.
ورغم التهديدات الأمريكية بقطع المساعدات، إلا أن هذه الدول قد تفضل تحمل تبعات اقتصادية على القبول بمثل هذا المخطط الذي يمس سيادتها وأمنها القومي.
يمكن القول إن مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة الديموجرافية والسياسية للمنطقة بما يخدم مصالح أطراف معينة.
إلا أن تحقيق هذا الهدف يواجه تحديات كبيرة تتمثل في الرفض العربي والدولي، بالإضافة إلى التبعات القانونية والأخلاقية المترتبة عليه.
ومن المرجح أن تستمر الجهود العربية في التصدي لهذا المخطط من خلال القنوات الدبلوماسية والسياسية، مع التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.
يهدف ترامب الذي لطالما تبنى سياسات داعمة لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، من خلال هذا الطرح، إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية:
أهمها التخلص من «المشكلة الفلسطينية» حيث يعتقد ترامب أن نقل السكان الفلسطينيين من غزة إلى أماكن أخرى سيؤدي إلى إنهاء الحديث عن حل الدولتين، بعدما يتم تفكيك أحد المكونات الأساسية للدولة الفلسطينية المستقبلية.
وإعادة تشكيل المشهد الديموجرافي والهدف الأساسي لهذا المخطط تقليل الوجود الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، وفرض واقع جديد يُكرّس السيطرة الإسرائيلية المطلقة. وكذلك تحقيق مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط بتقوية التحالف بين إسرائيل وبعض الدول العربية، عبر تقديم «صفقة جديدة» تهدف إلى «إنهاء النزاع الفلسطيني» عبر التهجير القسري.
ورغم القوة السياسية والاقتصادية التي يمتلكها ترامب، إلا أن تحقيق هذا المخطط يواجه تحديات كبرى: أهمها، الرفض الفلسطيني المطلق، فلن يقبل الفلسطينيون بأي محاولة لاقتلاعهم من أرضهم، وقد يؤدي هذا إلى انتفاضة جديدة أو تصعيد كبير في المقاومة.
وكذلك صلابة الموقف العربي والدولي، فهناك إجماع دولي وعربي – حتى من بعض حلفاء الولايات المتحدة – على رفض أي عمليات تهجير قسري للفلسطينيين.
مصر والأردن أظهرتا مواقف صارمة برفض أي عمليات تهجير للفلسطينيين إلى أراضيهما.
الأسباب وراء هذا الرفض تشمل: تهديد الأمن القومي، لأن استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين سيؤثر على الاستقرار الداخلي لهذه الدول. كما أن مصر والأردن لهما أدوار تاريخية في دعم الحقوق الفلسطينية، ولن يتخلوا عنها.
بجانب أن الشارع العربي، خاصة في مصر والأردن، يرفض بشكل قاطع أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير.
وحتى مع الضغوط الأمريكية، من المستبعد أن تُجبر هذه الدول على تنفيذ هذا المخطط، خاصة أن أي قبول به سيؤدي إلى أزمات داخلية خطيرة.
ومن المتوقع أن يكون مؤتمر القمة العربية المقبل محطة أساسية لمناقشة هذا التهديد الجديد.
بناءً على المواقف المعلنة، يمكن توقع: إجماع عربي على رفض التهجير، وحتى الدول التي لها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ستجد صعوبة في دعم هذا المخطط.
والتأكيد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وسيتم التأكيد على الحلول السياسية العادلة التي تضمن بقاء الفلسطينيين في أرضهم. والمتوقع أن تدعو الدول العربية الأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى إلى التصدي لهذا المشروع.
ترامب معروف بتجاهله للرأي العام العربي والإسلامي، وقد سبق أن اتخذ قرارات كبرى، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، دون اعتبار لموقف الشارع العربي.
ومع ذلك، فإن تجاهله للرأي العام سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على المصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة إذا تصاعدت حالة الغضب الشعبي إلى مستويات تهدد الاستقرار.
ومن الناحية العسكرية، فإن استخدام القوة لإجبار الفلسطينيين على الخروج من غزة سيناريو صعب التنفيذ.
فأي تدخل عسكري أمريكي مباشر سيكون مكلفاً سياسياً واقتصادياً، وسيؤدي إلى رد فعل عنيف من المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى تهديد استقرار المنطقة بالكامل.
طرح ترامب تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن ليس سوى حلقة جديدة من المخططات التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
ومع ذلك، فإن هذا المخطط يواجه رفضاً واسعاً، سواء من الفلسطينيين أو من الدول العربية والمجتمع الدولي. القمة العربية المقبلة لحظة حاسمة في التصدي لهذا المشروع، والتأكيد على حق الفلسطينيين في أرضهم.
أما ترامب، فحتى لو تجاهل الرأي العام العربي، فإنه لن يتمكن بسهولة من فرض إرادته في ظل التحديات السياسية والأمنية الكبرى التي تواجه خطته.