تجزئة الوطن العربي هدف إسرائيل الاستراتيجي

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

سياسة تجزئة المنطقة العربية تسير فى مخططها الذى وضعته قوى الاستعمار الغربى بعدما أصبحت فى الفكر الاستراتيجى الإسرائيلى محوراً ثابتاً تدعمه أمريكا بكل قوة. وأخطر ما يحيق بالوطن العربى التجزئة، فهى تجعل الكيان العربى أسهل منالاً.

تعتمد إسرائيل خطط برنارد لويس وبريزينسكى بشأن تجزئة الوطن العربى عن طريق زرع الفتن والمؤامرات بين الأقليات والعرقيات والفرق الدينية لتتحول الدول إلى دويلات. وإذا لم تسر هذه الخطط بسلاسة، تقوم إسرائيل بإشعال الحروب وتحريك حدود الدول وإشعال الداخل ساعية سعياً حثيثاً لفرض هيمنتها العسكرية على المنطقة وهى على يقين أن استمرار المنطقة موحدة يجعلها كدولة احتلال غير آمنة على سكانها ولو بعد حين.

بعد بزوغ فجر الإسلام توحدت القبائل المتناحرة تحت راية واحدة لتشكل قوة حضارية عظيمة امتدت من المحيط إلى الخليج وما بعدهما.

وبعد عصر الخلافة الراشدة، جاءت الدولة الأموية ثم العباسية، لترسّخ وحدة الأمة الإسلامية لعقود طويلة، قبل أن يدخل الوطن العربى فى حقبة طويلة من التشرذم والتجزئة. ومع سقوط الخلافة العثمانية فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتوقيع اتفاقية سايكس بيكو، أُعيد رسم حدود العالم العربى بشكل مصطنع يخدم مصالح القوى الاستعمارية، ويدفع الشعوب العربية نحو صراعات لا تنتهى. واليوم هناك محاولة جديدة لتكرار السيناريو ذاته بأدوات أكثر خبثاً، وغايات أشد خطراً.

لم تعد مشاريع التقسيم تعتمد فقط على الجيوش والاستعمار العسكرى، بل أصبحت تستند إلى سياسات ناعمة تعمل على إذكاء النزاعات الطائفية والعرقية والدينية، مستغلة الهشاشة السياسية والاقتصادية التى تعانى منها الدول العربية. واللاعب الأساسى فى هذه الاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية داعمة إسرائيل الأولى.

ولا يمكن تجاهل أن المشروع الصهيونى منذ بداياته قام على تفكيك أى قوة عربية قادرة على مواجهته. فمنذ تأسيس إسرائيل عام 1948 تعمل، بالتنسيق مع القوى الاستعمارية، على منع نشوء أى كيان عربى موحد يهدد وجودها. فى العقود الأخيرة، لم تقتصر المخططات الغربية على تفتيت الدول العربية بالقوة، بل تم تقديم مشاريع سياسية تحت مسمى «اتفاقيات السلام»، تُستخدم كأداة لتفكيك أى جبهة عربية موحدة ضد الاحتلال الإسرائيلى. فبدلاً من السعى لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، يجرى دفع الدول العربية إلى اتفاقيات فردية تُخرج كل دولة على حدة من معادلة الصراع.

وإضافة إلى الأدوات العسكرية والسياسية، يتم توظيف الاقتصاد كأداة فعالة لإضعاف الدول العربية من الداخل. فمن خلال فرض العقوبات الاقتصادية، وإغراق الأسواق بالديون، وخلق أزمات معيشية خانقة، تُجبر بعض الدول على تقديم تنازلات سياسية قد لا تكون لصالحها.

كما تحول الإعلام من وسيلة لنقل الأخبار إلى أداة خطيرة فى هندسة الرأى العام وتوجيه الشعوب ونشر خطاب الكراهية، وتشويه أى محاولة للوحدة العربية. المخطط الجديد يعمل على تفكيك الدول العربية وتحويلها إلى دويلات صغيرة متناحرة، والحديث عن «الشرق الأوسط الجديد» مشروع قائم على إعادة رسم خريطة المنطقة، ما يجعل من المستحيل قيام أى تحالف عربى قادر على مواجهة التحديات.

رغم خطورة هذا المخطط، فإن التصدى له ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب وعياً شعبياً وإرادة سياسية حقيقية. فأول خطوة فى مواجهة مشاريع التقسيم هى تعزيز الهوية العربية الجامعة، والابتعاد عن النزاعات الطائفية والمذهبية. كما أن بناء اقتصادات قوية، وتحقيق الاكتفاء الذاتى، يُقلل من قدرة القوى الغربية على التحكم فى مصير الدول العربية.

كما أن التمسك بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية للعالم العربى، وعدم الوقوع فى فخ «التطبيع المجانى»، يُعد من أهم الخطوات للحفاظ على وحدة الصف العربى. كما يجب دعم الإعلام الحر، الذى يُساعد على مواجهة التضليل الإعلامى الذى يُستخدم لتمرير هذه المخططات.

إن الوطن العربى يعيش على صفيح ساخن، بين مشاريع التفتيت التى تُحاك فى العواصم الغربية، وبين محاولات الشعوب للتمسك بوحدتها رغم كل التحديات. ورغم كل المؤامرات، فإن إرادة الشعوب قادرة على إفشال كل مخططات التقسيم، إذا ما وُجد الوعى والإرادة الحقيقية لمواجهة هذا الخطر.