قناة السويس الجديدة: فرحة نستحقها

أصبحت أؤمن إيماناً راسخاً بأن الدول مثل الأفراد لها أيام سعد، وتحتاج إلى «الفرحة» فى بعض الأحيان أكثر من حاجتها إلى رغيف العيش.. وأن الدول التى لها تاريخ من الحضارة، كمصر، تحتاج من حين إلى آخر إلى ممارسة دورها التاريخى والحضارى، وإلى إثبات أن الوردة وإن أصابها بعض الجفاف قادرة على جذب أنظار العالم كله إليها، وقادرة على القيام بدورها الذى كتبه لها التاريخ..

نعم.. كانت قناة السويس الجديدة فرحة نستحقها، وأكثر من ذلك، كانت فرحة نحن فى أمس الحاجة إليها.. الفرحة والسعادة والمزاج الشعبى الإيجابى حتى إن كان زائفاً، لكنه مطلب من متطلبات الأمن القومى، فما بالك إذا كان الإنجاز عظيماً، وما تحقق يصل إلى مرتبة الإعجاز.. إذن تكون الفرحة مستحقة، وتكون السعادة واجباً قومياً، ويكون المود الإيجابى والمزاج «عال العال»، وهو مطلب لا فرار منه..

والأهم من هذا المشروع الناجح والمهم، أننا قد توصلنا إلى «سر الصنعة»، وإلى «وصفة» النجاح.. نستطيع الآن أن ننجح فى أى مجال نقوم به، طالما سنطبق هذه الوصفة.. نستطيع تحقيق أهدافنا بفعالية، ما دمنا سنلتزم بالمواصفات القياسية للنجاح وبسر الصنعة التى عرفناها.. قال الرئيس السيسى، عن حق، إن مشروع قناة السويس الجديدة هو خطوة فى طريق الألف ميل.. وقد عرفنا سر نجاح الخطوة الأولى، وعلينا أن نلتزم بهذا الكتالوج فى بقية الخطوات المقبلة..

العنوان الأول فى هذه الوصفة هو «إرادة النجاح».. عندما تريد أن تنجح تفرض شروطك على الآخرين.. النجاح إرادة وليس قدرات.. عندما عهد الرئيس السيسى إلى القوات المسلحة بتنفيذ هذا المشروع كانت إرادة النجاح واضحة ومعلنة: نستطيع تنفيذ هذا المشروع فى عام.. وقد كان.. إرادة فولاذية، وعزيمة قوية، وإرادة الشعوب الصادقة من إرادة الله..

العنوان الثانى فى هذه الوصفة هو «الكفاءات لا الولاءات».. النيات الحسنة وحدها لا تكفى، والولاء وحده ليس شرطاً للنجاح.. فى هذا المشروع كانت اللافتة الأكثر وضوحاً هى «ممنوع اقتراب غير المتخصصين من المشروع»، و«المدعون يمتنعون».. كل كفاءة وُضعت فى مكانها تماماً.. وكل متخصص تمت الاستفادة القصوى من خبراته فى إطار تخصصه.. لا حديث عن الخواطر، ولا كلام عن المجاملات.. هذا مشروع وجود، وفى المشروعات الوجودية لا نحتمل «دلع الولاءات»، ولا نحتمل رفاهية «ذوى القربى»..

العنوان الثالث فى هذه الوصفة هو «القيادة مشاركة لا توجيه».. الرئيس السيسى كان متابعاً أدق التفاصيل، ومستغرقاً فى كل صغيرة وكبيرة.. والفريق مميش كان شعلة نشاط وذكاء فى قيادة فرق العمل المختلفة، وفى التواصل مع الجميع.. لم نسمع عن مشكلة تواجه المشروع طوال العام.. ولم نسمع عن تذمُّر بعض العاملين هنا، أو شكوى بعض العاملين هناك، كما يحدث فى المشروعات المماثلة.. بل أرقام عن نسب التنفيذ، وعن حجم الإنجاز اليومى.. هذا الفريق «مميش» يعمل بروح الفريق.. وهو فريق فى حد ذاته..

العنوان الرابع فى هذه الوصفة هو «لا تلتفت إلى المعارك الجانبية».. حملات التشكيك فى المشروع كانت شديدة.. والهجوم على المشروع بلغ مداه من فرق مختلفة الأهواء والمشارب.. الالتفات إلى هذه المعارك الجانبية كان كفيلاً بالقضاء على المشروع، أو تعويقه.. غير أن التركيز على المشروع وعلى المعركة الرئيسية، وعدم الالتفات إلى هذا الصخب المعوق وفر جواً من التركيز، ووفر قسطاً كبيراً من الجهد.. وكما قال «سارتر»: «هم يقولون.. ماذا يقولون.. دعهم يقولون»..

العنوان الخامس فى هذه الوصفة هو «الاعتماد على الله والثقة به».. وقد وفرنا السبل اللازمة للنجاح، واعتمدنا على الله بعد ذلك..

سعيد كأى مصرى بهذا الإنجار، وفخور بمشاركتى فيه، وممتن لكل من أتاح لى الفرصة لكى أسهم، على قدر جهدى، فى هذا الحدث، وأن أكون شاهداً عليه..