ولاد الـ(............)

ليس تحريضًا على سباب ولا سيرًا وراء لغة الغاضبين، لكنه فن توصيف الواقع، الذي يحتم علينا أن نكون أمناء في وصف الجرم وفاعله، وأن أي تخفيف أو كياسة أو دماثة خلق أو التزام في سياق حرب الإبادة - التي انطلقت قبل 15 شهرًا في غزة، وبانت آثارها حين استوت المباني بالأرض - سيرتدي ثوب خيانة الدم الذي سال، والعهد الذي قطعناه مرارًا وتكرارًا على أنفسنا، ولم يخلُ سياق من ذكره ولا أرض من فعله «كل دم عربي أخي»، ونحن نبرأ من التهمة، لذا يفيض اللسان بكل ما يجيش به القلب، وأكثر، دون التزام أو حدود سوى تلك الأيام المفترجة التي نقبل فيها على الصيام، ونحن نتلمس القبول من الله، ونعلم أنه سيقبل حديث قلوبنا، دعاءً وسبابًا لـ«ولاد العم».

يحدث هذا في غالبية أحاديث المصريين، تنقل وسائل التواصل الاجتماعي هتاف الصامتين الحقيقيين، صحيح أن الكل يعبر عن رأيه ويقوله صراحة، وحجم استخدام الألفاظ والتلميحات زاد عن حدوده الطبيعية، لكن رغم هذه الزيادة، فلك أن تتخيل أنها ظهرت لك بعد فلترة من عدة مستويات تمارسها خوارزميات هذه المواقع، تحت بند «معايير المجتمع»، لإعاقة وصول كل معاداة للسامية وكل ما يحمل لفظًا أو إفيه قد تقرأه هذه المعايير بأنه ضد «ولاد العم».. في حين تزخر صفحات ولاد العم ومتحدث جيشهم المستفز بعبارات وتهديدات وصور وخروقات تُحاسب عليها كل القوانين، الوضعية والإنسانية والدولية، وترفضها المعايير نفسها لكنها لا تعرقل وصولها وانتشارها.

وسط كل هذا الزخم، تخرج بيانات وزارة الخارجية المصرية، منذ بداية طرح التهجير، وربما من قبلها، منذ انطلاق حرب الإبادة، مكتوبة باحترافية دبلوماسية، غادرت فيها اللغة الوسيطة، والتعبيرات الخضراء التي لا تمر ولا تؤثر، وارتكنت إلى لغة المواقف الحازمة، وتعبيرات تطلق أعيرة نارية في وجه متلقيها، دون أن تكون ثغرة أو بابًا مفتوحًا لاعتراض أو ملاحظة، هي أيضًا ليست إنشائية عنترية، لم تتوقف عند المحفوظ من إكليشيهات الشجب والاعتراض والإدانة، تجاوزت كل هذا لأفعال، فيكاد قارئها يشعر بها، صحيح أنها بيانات رسمية تعبر عن وجهة نظر الدولة وتحفظ معاهداتها واتفاقياتها وثوابتها ومصالحها، ترعى السياسة وتروي الحكمة في إدارة الصراع، لكنها رغم لغتها المنضبطة بيانات تحمل مشاعر.. ينبض القلب في تسارع غريب والعين تقرأ سريعًا المدون باحترافية تحت نسر العلم، لقد كتب البيان ما يجيش في صدورنا، دون أن ننطق بلفظة أو يُنسب إلينا تجاوز، لم نعد بحاجة إلى فلترة من «معايير المجتمع»، لم نعد بحاجة إلى تقطيع الكلمات ووضع المسافات حتى لا تنالنا عقوبات «التواصل الاجتماعي»، يخرج البيان إلى الصفحة الرسمية للوزارة، فتتسارع الحسابات لمشاركته، وهو الدال على كل ما نريده وسنفعله، الدال على موقفنا، على جرأتنا حين ننفي حدوث اتصال بين الرئيسين المصري والأمريكي، على ثباتنا ونحن نرفض التهجير قولًا وفعلًا وحتى لو مجرد فكرة، على صلابتنا ونحن نعيد الرفض، ليس للتهجير إلى مصر والأردن فحسب، لكن لأي دولة في العالم، الفلسطيني لأرض فلسطين، وليس لمخلوق على وجه الأرض أن يحدد مصيره، وحتى وإن طال الانفلات الأشقاء في السعودية - ولهم لغتهم وألسنتهم وحساباتهم التي يدفعون منها وبها الضرر - نعلنها قولًا واحدًا رافضًا لكل الصادر من ولاد العم المنفلتين: أكملوا انفلاتكم، ونحن سنكمل في الثبات على المبدأ والموقف، والبقاء لمن له الحق في البقاء.