خط أحمر.. يا «دانون»

خديجة حمودة

خديجة حمودة

كاتب صحفي

الخط الأحمر ده ابني وحبيبي وشريك العمر والحياة والفخر لأولادي وأحفادي وأبناء العم والعم نفسه وجيران الطفولة والشباب، الخط الأحمر هو فتى أحلام بنات جيلنا بالشريط الأحمر وحلم الأمن والأمان وصوت البروجي والسيف على الجنب في الصورة والنجمة الذهب والنسر اللامع والبيريه الأحمر والأزرق والأخضر والكاكي، الخط الأحمر وذكرياته مع أفلام الأبيض والأسود وبطولاته والأغاني الوطنية اللي كبرنا على إيقاعها وسمعناها في المدرسة والجامعة وسافرنا للجبهة والقنال علشان نشوفهم في مواقعهم ومعاهم أسلحتهم ودباباتهم ومدافعهم ونشاركهم الغدا اللي جهزوه بإيديهم، ونزور النصب التذكاري للجندي المجهول، ونقرأ أمامه فاتحة الكتاب، ونضع زهوراً وخطابات من الأحبة، ويقف بعض منا يهمس بكلمات لا نسمعها ونتسابق على قراءة أسامى شهدائهم على جدران بانوراما حرب أكتوبر، بحثاً عن الأخ أو الصديق أو الجار. الخط الأحمر هو صورة أمي وكل الأمهات بيدعوا لهم يرجعوا لنا بالسلامة، وهو صوت نشرات الأخبار في بيوتنا تعلن المواجهة والانتصار وتقديم الأرواح فداءً للأرض.

الخط الأحمر جزء من تاريخ مصر، بل هو مصر، فهل نقبل أن يبحث أحد عن ملف تسليح الجيش المصري ويتساءل أمام الشاشات والميكروفونات والمندوبين والمحللين العسكريين والسياسيين لماذا كل هذه الأسلحة الحديثة التي تشتريها مصر؟ هل نستسيغ أن يتساءل مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة (دانى دانون) عن أسباب اقتناء الجيش المصري معدات عسكرية حديثة رغم عدم مواجهة البلاد أي تهديدات، إن هذا أمر يدعو إلى القلق.

فهذه هي المرة الأولى التي يتحدّث فيها مسئول إسرائيلي رفيع المستوى عن أسلحة الجيش المصري، وفي لقاء سلطت عليه الإذاعات والتليفزيونات الأضواء، قال «دانون» لإذاعة (كول رباما) الدينية الإسرائيلية إن السلطات المصرية تستثمر الملايين من الدولارات في المعدات الحديثة كل عام، رغم أنه ليس لديهم أي تهديدات. وتساءل الدبلوماسي الإسرائيلي لماذا يحتاجون إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟ بعد هجوم حماس يوم 7 أكتوبر على المستوطنات المتاخمة لقطاع غزة يجب أن يكون ذلك مدعاة للقلق. وتابع «دانون»: لقد تعلمنا درساً علينا أن نستعد لكل سيناريو.

لا بد أن يسمع هذا الدبلوماسي الإسرائيلي رداً وتعليقاً على كلماته، لا بد أن يعلم أن هذه الأسلحة ضرورة وحياة، وأنه غير لائق أن يتحدّث عن الجيش المصري، فهذا الكيان هو مصر التى تحتضن كل المصريين، وليس الأمر كذلك فقط، بل هو الجيش الذى يهب ليُلبى أى نداء لأخ عربي شقيق، فهو الرمز في كل زمان، وقادته العظام هم من جلسوا وتفاوضوا مع العالم، بحثاً عن سلام يعم في المنطقة ويحمي الأجيال القادمة.

ليس غريباً أن تعلو نبرة الحديث عن تسليح الجيش المصري وقوته، فهذا الملف يُقلق الإسرائيليين رغم ما لديهم من أسلحة متطورة لا تملكها أي دولة في المنطقة، فقد منحتهم الولايات المتحدة الأمريكية طائرات «إف 35»، كما أن الأنباء تتردّد عن امتلاكهم عدداً من الرؤوس النووية، وهو ما يعني زيادة قدراتها القتالية.

ورغم هذه المعلومات فإن الموقف المصري ثابت لا يتغير ولا يهتز، فهو موقف جيش وقادة وجنود وشعب من مختلف الأطياف والأعمار والاتجاهات، فهؤلاء هم من غنوا خلف سيد درويش «بلادي بلادي لكِ حبى وفؤادي»، وردّدوا «أحسن جيوش في الأمم جيوشنا»، وأنصتوا في هدوء وفخر لمحمد عبدالوهاب وهو يشدو «حب الوطن فرض عليا أفديه بروحي وعينيه»، ودقّت ساعة العمل الثوري.

رجال الخط الأحمر الذين يحمون الأرض والعرض وسماء مصر وأحلام أبنائها وحياتهم هم هؤلاء الذين قالت لهم أم كلثوم «والله زمان يا سلاحي»، ومن أجلهم كتب رفاعة الطهطاوي نشيد الجيش المصري، وهو أول نشيد عرفه الجيش منذ تأسيسه، كما سجّل حبه للخط الأحمر الشاعر والإذاعي طاهر أبوفاشا، فقال: سلام على الجيش في يومه وفي كل يوم عليه سلام، ولأن العلاقة بين القوى الخشنة ألا وهى القوات المسلحة، والقوى الناعمة، وهي الفن، قديمة، فالتاريخ يسجل أجمل ما كُتب من أجل فلسطين عندما قال نزار قباني «أصبح عندي الآن بندقية» ليلتقط الكلمات محمد عبدالوهاب ويُلحنها لأم كلثوم.

للخط الأحمر الذي يحاول الإسرائيليون الهجوم على ملف تسليحه في المحافل الدولية أرشيف ضخم في الإذاعة المصرية لأغانيه ومكان بارز في المكتبات لدواوين شعر وأوبريتات انطلقت من لحظات الوطنية والحب والوفاء، ويكفينا فخراً ما قامت به سيدة الغناء العربي من جولة حول العالم، لتُغني وتتبرّع لأصحاب الخط الأحمر لإعادة التسليح والبناء بعد حرب 1967، حيث بلغت حصيلة تبرعاتها في ذلك الوقت أكثر من 14 كيلو من الذهب. فلنقل جميعاً بصوت مسموع للعالم ولمندوب إسرائيل في الأمم المتحدة «الجيش المصرى خط أحمر».