الشرق الأوسط في انتظار «زيارة واشنطن»
يترقب غالبية سكان الشرق الأوسط نتائج الزيارة المهمة التي يقوم بها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، وهي الزيارة التي جرى استقباله فيها بحفاوة الأبطال، والتقى بمن أراد من قيادات الدولة الأمريكية، واستقبله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض كأول زائر أجنبي له بعد أسبوعين فقط من تنصيبه في 20 يناير الماضي. حدث ذلك في وقت اتخذت فيه طائرة (بىي بي) نتنياهو مساراً استثنائياً للوصول إلى العاصمة الأمريكية لتجنب مجالات جوية لدول أعلنت أنها ستنفذ أمر اعتقاله الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي العام الماضي، بحسب ما أكدت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية.
وجريمة «نتنياهو» المعروفة لنا في غزة، تجاهلها «ترامب» ومنحه استقبالاً أسطورياً لم يحظ به أي رئيس أو ملك في العالم خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، يأتي ذلك في وقت تتوسع فيه جرائم «نتنياهو» وتمتد إلى الضفة، حيث تقوم حكومته بسرقة (يهودا والسامرة) وتضم أجزاء منها إلى دولته بحسب ما وعده الرئيس الأمريكي، ليخرج لسانه لمن سخر منه عندما قال «إسرائيل صغيرة»، فها هو يمنحها مساحة جديدة لتتوسع وربما يعقبها مساحات أخرى، ليستغل كلا الحليفين اللحظة التاريخية لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة لدولة إسرائيل.
تدمير «حماس» وملف غزة، مسار التطبيع في الشرق الأوسط، الملف الإيراني، الوضع في سوريا، أربعة ملفات ثقيلة حملها «نتنياهو» معه إلى البيت الأبيض تباحث فيها مع «ترامب» بعد حصوله على ما يريده في الضفة، ولعل أخطر هذه الملفات هو المتعلق بحماس، والمرتبط باتفاق الهدنة واستكمال مراحله. ترامب ونتنياهو دخلا اجتماعهما وكل طرف يحاول إقناع الآخر بفكرته، «ترامب» يرغب في المضي قدماً في بقية مراحل الاتفاق كي يضمن الإفراج عن الرهائن ويحافظ على صورة «البطل المحرر» التي توج بها لحظة تنصيبه، فيما يجاهد «نتنياهو» ليقنعه بخطورة حماس ويبدو أنه نجح فى استمالة مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بعد أن عرض عليه فيلماً لأحداث السابع من أكتوبر بحسب ما أكدت وسائل إعلام عبرية واصفة الفيلم بأنه مرعب، وهو الفيلم الذى شاهده «ترامب» بمبادرة من «ويتكوف» قبل لقائه مع «نتنياهو».
تكرار تصريحات «ترامب» حول أنه لا ضمانات لاستمرار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يوحى بأنه أقرب إلى الاستسلام لوجهة نظر صديقه نتنياهو، خاصة مع ظهور حركة حماس الاستعراضي خلال تبادل المحتجزين والأسرى في دفعاته الأربع، حيث منحت كتائب القسام (الجناح العسكري للحركة) لقطات سيوظفها رئيس الوزراء الإسرائيلي في غسل يديه من دماء أبناء غزة أمام العالم.
أما زوبعة التهجير التي أثارها «ترامب» طوال الأسبوع الماضي، فيبدو أنه تم تجميدها بشكل مؤقت بعد عاصفة الرد المصري والعربي الكاشفة لاتجاه العلاقات في عهد «ترامب» بين بلاده وكل من مصر والأردن، التي يصل حاكمها الملك عبدالله إلى واشنطن الأسبوع المقبل، وندعو الله أن يصلها قبل انهيار الأوضاع في الضفة، فيما تبادل الرئيس السيسي ونظيره الأمريكي دعوة الزيارة إلى بلديهما في سياق المحادثة الهاتفية التي جرت بينهما قبل أيام وأذابت جليداً كان قد بدأ يتراكم على الجدار الفاصل على حدود العلاقة بين الزعيمين جراء إلحاح «ترامب» على تطهير غزة، وترددت أنباء عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري إلى واشنطن منتصف فبراير الجاري.
وكان «ترامب» قد أشار قبل ساعات من لقائه مع نتنياهو وهو يتحدث إلى الصحفيين إلى قلمه الصغير وقارنه بالطاولة (المكتب) التي يجلس عليها، وقال إن إسرائيل (الصغيرة) هي رأس القلم (الجميل) في مواجهة الشرق الأوسط (الكبير) قاصداً الطاولة، جاء ذلك فى سياق إجابته حول مسألة ضم أجزاء من الضفة إلى إسرائيل.
وعلينا الانتباه للمقارنة جيداً، فالغرب ينظر لنا ككتلة واحدة في مواجهة إسرائيل، فيما نحن في واقع الأمر متفرقون كعرب، نتعامل معها فرادى، كل يلهث وراء مصالحه الضيقة، ولا يقيس الأمور وفق المصالح العربية، لذلك ضاعت الأرض وفى الطريق ما تبقى، وانتقلنا من أمل مناقشة «حل الدولتين»، إلى تسول البقاء في قطع مبعثرة من الأراضي المحتلة لا يربطها إلا طرق غارقة في نقاط التفتيش المهينة، ومعابر لا تفتح إلا للمقبولين، في وضع إنساني طارد لا يسمح بالبقاء.
ورغم ذلك يتشبث الشعب الفلسطيني بكل قوته بأرضه، مثله كمثل الفلاح المصري القديم محمد أبوسويلم في رائعة الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي (الأرض)، الدور الذى جسده العبقري محمود المليجي في فيلم بنفس العنوان وأخرجه الرائع الراحل يوسف شاهين، الحاضر بفنه دائماً، والذي قدم لنا مشهداً في نهاية فيلمه يجسد بالتمام اللحظة التي نعيشها، عندما اغتصبت أرض الفلاح الأصيل وطرد من أرضه بقوة الاستعمار والفساد في عهد الملكية والاحتلال مطلع القرن العشرين، وانتزعت منه ملكيته بقسوة وغدر، فيما ظل متمسكاً بها وبزرعها حتى النفس الأخير وهو يقتلع منها مربوطاً من قدميه تسحله الخيل إلى منفاه المجهول.
ما الذى نخشاه من هذه الزيارة، وما الذى نتوقعه من زيارات تالية لها؟، وهل هناك أسوأ مما تعيشه المنطقة حالياً؟، وإلى متى ستظل خطواتنا متأخرة عنهم؟، ومتى سنتعلم من تجاربنا ونستفيد من خبراتنا فى إدارة الصراع العربى الإسرائيلى؟
أسئلة تبحث عن إجابات متعمقة.. وتترجى الأمل وسط ضجيج المعارك وصيحات الاستغاثة.