أزياء أم كلثوم بـ«لمسة» أوروبية و«عِرق» فلاحي.. موضة لا تتعدى «الحشمة»

كتب:  سلوى الزغبى

أزياء أم كلثوم بـ«لمسة» أوروبية و«عِرق» فلاحي.. موضة لا تتعدى «الحشمة»

أزياء أم كلثوم بـ«لمسة» أوروبية و«عِرق» فلاحي.. موضة لا تتعدى «الحشمة»

من بعيدٍ.. صبي عربي يلتحف بالبالطو والكوفية والعقال، وعن قريبٍ.. فتاةٌ حُرمت من الألوان الزّاهية، عاشت تحلُم بـ«بلوزة نص كُم»، وتتخيّل كيف سيبدو شكلها إن تجرّأت على «الجلابية اللي بتتجرجر في الأرض، اللي لونها حشمة»، فتمرّدت على الأولى، لكنّها صارت حتى الخاتمة تتمسّك بـ«الحشمة»، التي صنعت لها خط أزياءٍ متفرّدٍا يحمل تحفّظ الريف وعنفوان الحضر، فلا ينشغل «سميع» عنها بألوانٍ تأسره، ولا يسمح له «منديلها» أن تهتز عيناه بعيدا عن هالتها، من هُنا كانت الانتفاضة الأولى للآنسة أم كلثوم؛ لترسمَ موضةً تحمل اسم «كوكب الشَّرق».

حُلم الطفولة صار نائما في قلب أم كلثوم، لكنّه لم يمت أبدا حتى بلوغها سن السبعين، الذي أفصحت فيه عن حرمانها «من كل حاجات البنات»، ذلك التعبير المقتضب الذي تعلّقت به طفولتها الغائبة، وصرخت به في وجه الجميع في مذكِّراتها المنشورة عام 1970، إلا أنّها رغم ذلك لم تنخلع من جذورها؛ لتُحدّد لنفسها 4 صفات في الفستان الذي ترتديه، أفصحت عنها في حديثها مع الكاتب محمود عوض وهي: «أن يكون حشمة، ألا يكون مختلفا عن خطوط الموضة السائدة، أن يكون هناك ذوق في ألوانه؛ بمعنى أن تكون الألوان منسجمةً في تركيبها مع بعضها، أمّا الصفة الأخيرة فهي أن يكون الفستان بسيطا، إن البساطة دائما هي المشكلة.. وهي الحل».

مصممة أزياء بمسلسل كوكب الشرق: فساتينها «حادة» وعصرية ولا تعترف بالقصير والكعب العالي

ذلك تحديدا ما وجدته مصممة الأزياء منى الزرقاني داخل دولاب كوكب الشرق، الذي اطّلعت عليه لعملها كمساعد مصممٍ ثانٍ في مسلسل كوكب الشرق الذي أُنتج عام 1999، تحت إشراف المصممة الرئيسية دكتورة سامية عبدالعزيز.

وكشفت «الزرقاني» في حديثها لـ«الوطن»، مكنون اللمسات الفنية لأم كلثوم في أزيائها؛ لتشعر بين طيات ملابسها بتلك الشخصية «الحادة»: «اختارت من الموضة الغوامق، فساتينها بين الأسود والزيتي والكُحلي والدهبي، ماراحتش للبينك ولا الأحمر أو فوشيا أو أزرق زهري، مع إنّهم كانوا موضة وقتها، ولا راحت لفساتين بوسط، ومكانتش بتلبس قصير، أقصر حاجة عندها بعد الركبة، وصدرها مقفول، وتلبس تحت الفساتين توب».

لم تسْرِ تلك القاعدة على فساتينها فقط، لكنّ الأحذية نالت نصيبا من شخصيتها، التى لم تتمرّد تماما على طبيعتها القروية ونشأتها الدينية، فتقول «الزرقاني» إنّها لم ترتدِ «الكعب العالي» كحال أهل الفن: «كبيرها 3 سم، وألوانها بُني وبيج وأسود».

استطاعت أم كلثوم بذكائها أن تُجاري الطبقة المتوسطة فى القاهرة، التي كانت تقوم، في مرحلة انتقالها من الريف إلى المدينة، على أساس المبدأ والبحث عن الربح، مثلما ذكر الكاتب سعيد الشحات في كتابه «أم كلثوم وحكام مصر»: «فليس عبثا أن ينفق المذيع وقته في وصف فستان السهرة الجديد الذي تلبسه أم كلثوم ولون منديلها الذي تُمسك به فى أثناء الغناء، كما تتحدث الصحف عن الفراء الثمين الذى تتدثّر به، فكلّ هذه المظاهر مهمة وضرورية فى تأكيد مركز الفنان»، لكنّها وضعت شروطها الخاصة؛ لتستنكر في حديثها مع الكاتب محمود عوض، المنشور في كتابه «أم كلثوم التي لا يعرفها أحد»، شائعة أنّها ترتدى فستانا تكلفته 400 جنيه؛ لتكشف أنّ فساتينها تتكلف أقل من ذلك بكثير، وتُعلن مبدأها: «أنا لا أنقل الموضة مع أنّني أتابعها، أتابعها لكي آخذ منها ما يناسبني، أنا لا أُريد أن أرتدي فستانا يلفت نظر الناس، وإلا تبقى معرض مش موضة».

خط موضة لـ أم كلثوم

تلك المعادلة عايشتها مصممة الأزياء منى الزرقاني في أثناء عملها على المسلسل: «كانت ماشية على الموضة بس عاملة خط لوحدها، الفستان يكون استريت بس القماش من الجُبير اللي كان موضة والأغلى في سعره، ولازم تطرزه ممكن من عند الصدر بس أو حرف الكُم أو الياقة، فيبقى محترم وفيه لمستها».

قد يندهش بعض مُعجبيها من أنّها كانت ترتدي نوعين من المناديل، كشفت عنهما مصممة الأزياء: «كان عندها أحجام، الكبير اللي كانت بتطلع بيه على المسرح، والصغير 20x20 شابك في دبلتها»، ذلك المنديل الذي كتبت عنه الباحثة الدكتورة هند الصوفي عساف في كتاب «باحثات» أنّه كان رمزا للأنوثة: «الأنوثة التي قرّرت أن تكشف قناعها الذكوري، إنّه جاذب، شفاف.. كثرت التساؤلات حوله، واعتبرته هي علما وكأنّها ترفع العلم وهي تنشد، بات المنديل طرازا خاصا للسيدة، ابتدعته لنفسها، رُبّما لتخفيف حدة التوتر، ورُبّما لشدّ نظر المشاهد وجذبه نحو حركة القماش الشفاف المتطاير».

لم ترَ «الزرقاني» إكسسوارا قد لمسته يداها: «كل الأطقم ألماظ، وحتى نضاراتها اللى لبستها بسبب تعبها بالغدة الدرقية اللي تسببت في جحوظ عينها، كانت معاصرة جدا، حتى هناك سرٌ لا يعرفه أحد، وهو أنّ نظارتي الشمسية كانت تشبه تلك التي كانت ترتديها أم كلثوم، وعندما رأتني بها المخرجة إنعام محمد على صمّمت على ارتداء صابرين، بطلة العمل لها، وتم التصوير بنظارتي، ويمكن تلخيص ذوق أم كلثوم بأنّه كان راقيا وهادئا ومعاصرا». 


مواضيع متعلقة