الشارع المصري ينتفض ضد التهجير

عبير فتحي

عبير فتحي

كاتب صحفي

أصل الحكاية تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قدمت أكبر هدية للعرب، حيث اصطف الشعب والقيادة السياسية في مصر والأردن لرفض السياسات الصهيونية وخطة ترامب المشينة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية.

هذا الالتفاف غير المسبوق جعل مهمة أعداء الوطن والإخوان مستحيلة، إذ يعلمون جيداً أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، والملك عبدالله لن يوافقا على الإطلاق على هذه المخططات، كما أكدا مراراً وتكراراً رفضهما لفكرة التهجير.

ومع ذلك، كان أعداء الوطن يحلمون أن يتأخر الرد على تصريحات ترامب ليتمكنوا من نشر الأكاذيب، ويدعوا بأن الأنظمة تخشى ترامب، وتحاول التمهيد وأخذ الوقت الكافي لتنفيذ وعوده. ولكن الرد الحازم جاء فوراً، سواء من خلال بيانات وزارتي الخارجية المصرية والأردنية، أو عبر تصريحات السفير المصري في واشنطن والمسؤولين والأحزاب ومجلس النواب، الذين استهجنوا ورفضوا هذا الكلام المشين، واعتبروه سقطة جديدة للرئيس الأمريكي، بل إن الرئيس عبدالفتاح السيسي خرج عن سياق خطابه الترحيبي برئيس كينيا في القاهرة نهاية الأسبوع الماضي، وقال إن «تهجير الفلسطينيين من وطنهم ظلم وماذا أقول لشعبي... شعبي لا يرضى بالظلم».. وهذا يعني أن التلاحم بين القيادة السياسية والشعب بشأن غزة أمر وصل إلى أقصى درجات التلاحم.

وأجمل ما فعله ترامب هو أنه أظهر معدن الشعب المصري الأصيل الذي يتحمل العديد من الظروف الاقتصادية، ويقبلها حفاظاً على الأمن والأمان الذي توفره القيادة السياسية لمصر. وعندما قدم ترامب وعوداً معسولة بتقديم مئات المليارات من الدولارات لمصر، وسداد كامل ديونها، وتوفير مشروعات استثمارية ضخمة ضمن صفقة القرن الكبرى وأولى خطواتها تهجير الفلسطينيين، فشلت هذه الوعود في إقناع الشعب المصري بقبول الاستقرار الاقتصادي على حساب تهجير الفلسطينيين. إذ يدرك الشعب المصري أنه لا يمكن أن تنعم مصر بالاستقرار بينما يرى الضفة الغربية وغزة خاليتين تماماً من الفلسطينيين. فالوطن الذي لا يجد شعباً، من يطالب بتحريره؟

أراد ترامب أن يدس السم في العسل حينما قال إن حجم الدمار في فلسطين كبير جداً، ويجب أن يخرج أهالي غزة إما بشكل دائم أو مؤقت لحين الانتهاء من الإعمار. ولكن هذا الأمر لا ينطلي على الشعوب العربية، التي طالما رفضت هذه الفكرة مطلقاً.

وللأسف الشديد، فإن ترامب، الذي اعترف بفضل الأصوات العربية والمسلمة في فوزه بالانتخابات الأخيرة (ليس حباً فيه، ولكن كيداً بحكومة بايدن)، قد أطلق هذه التصريحات بعد أقل من أسبوع من توليه الحكم.

ولكن المصريين والأردنيين يدركون جيداً أن دماء الفلسطينيين عند أشقائهم أغلى من كنوز الدنيا. كما أن مخططات ترامب لن تنجح، وأن التلويح بالقوة لن يجدي نفعاً، لأن مصالح أمريكا في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي ستتعرض للضرر إذا حاول تنفيذ هذه المخططات.

وفي النهاية تبقى كلمة.. نعم العرب لديهم القدرة على الرفض، ولديهم القدرة على منع هذه المشاريع، فلا يمكن لأي قوة أن تفرض على الإرادة العربية شيئاً.

إن حل القضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بإقامة الدولتين، وعلى ترامب أن يدرك أن هذا الحل هو الذي أجمعت عليه الدول العربية، والأوروبية، وجميع دول العالم، بل حتى أمريكا نفسها سبق أن قالت إن حل الدولتين هو الحل الأمثل، ولكن ترامب، بميوله الصهيونية، يسعى إلى توسيع إسرائيل، معتقداً أن مساحتها صغيرة جداً، ويريد أن يضم لها أراضي من مصر وغزة، وربما سوريا ولبنان، لتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات.

هذه الأهواء لن تؤتى ثمارها على الإطلاق.