معرض الكتاب والتهجير و«ديب سيك»

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

معرض الكتاب حدث مبهج. إنه يؤكد بصفة سنوية أنه ما زال هناك مَن يقرأ، أو يعتبر فعالية الكتب الأبرز في مصر «فسحة»، أو يهتم بحضور ندوات حول موضوعات خارج إطار «قالوا على النت» و«شفت أم أحمد قالت إيه لأبو أحمد على التيك توك»، وهذا سبب للتمسك بالأمل.

يتضاعف الأمل برؤية هذه الأعداد الكبيرة من الشباب والشابات ممن يتصفحون الكتب، حتى لو لم يشتروا أياً منها. مجرد الوجود في مكان يحوي كتباً ورقية ونقاشات على هامشها أمر عظيم.

هذا لا يمنع من أنني تعجبت قليلاً، بالأحرى كثيراً، حين طالعت صوراً وتقارير عنوانها الموحد «الجمعة الأولى في معرض الكتاب» مع صور لجموع تصلي! قبل هجوم الهجّامين، وتصيد المتصيدين، أقول توقعت أن يكون الخبر عن الجمعة الأولى في شهر رجب مثلاً أو شعبان، أو أن هناك فعالية تنظمها وزارة الأوقاف في مكان ما قريب من المعرض، أما أن تكون «الجمعة الأولى في معرض الكتاب»، فهذا عجيب. ليس عجيب أن يصلي الزوار، ولكن العجيب أن نصنع تقويماً دينياً لمعرض الكتاب.

التقويم الوطني المصري من جهة أخرى يستحق الاستحضار هذه الأيام. منذ أصبح هناك «قضية فلسطينية»، ومصر حاضرة في القضية، والقضية حاضرة في مصر. منذ عام 1948، ومصر حرفياً على الجبهة. وقتها، لم تكن القضية قضية مسلمين في مواجهة يهود بقدر ما كانت قضية شعب تُسلب أرضه من قبل قوة غاشمة تدعمها قوى دولية. كانت قضية شعب واقع تحت احتلال في مواجهة محتل مغتصب.

عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً وإنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، تظل مصر تحمل القضية بين ضلوعها سياسياً وشعبياً، بمعنى أن هذا الحمل لا يقتصر على القيادة السياسية المستمرة على منهج الدعم فعلاً وقولاً لحق الفلسطينيين في وطنهم، لكن يمتد، أو بالأحرى ينبع من المصريين أنفسهم.

الأصل هو دعم الشعب الواقع تحت الاحتلال، بغض النظر عن دين هذا أو معتقد ذاك. اليوم، أطالع ما يدور في حلقات نقاش غربية غير رسمية من مكون ديني، يتساءل عن أسباب رفض مصر «استيعاب» سكان غزة «رغم أنهم مسلمون سُنة مثلهم». وبينهم من يظهر تعجبه من «تطابق مظهر أهل غزة ومصر» أو يستشهد بالدعاء في المساجد على اليهود نصرة للمسلمين، ويعتبر ذلك الأسباب «المنطقية» لأن تفتح مصر حدودها على مصارعها لإدخال سكان غزة، وحبذا دخولاً بائناً لا رجعة فيه!

وأضيف إلى ما سبق التقارير والتغطيات الغربية، وبعض الإقليمية، التي ظلت منذ الثامن من أكتوبر عام 2023 (اليوم التالي للعملية التي قامت بها حماس) تطرح أسئلة مريبة عن «سبب رفض مصر فتح حدودها أمام أهل غزة» و«ضرورة الضغط على مصر لاستقبال الجانب الأكبر من سكان غزة» وغيرها من سبل صياغة «فتح الحدود» لتبدو كأنّها خطوة إنسانية ترفض مصر القيام بها.

وبعيداً عن أن مصر استقبلت المصابين وأفراداً من أسرهم وغيرهم، وبعيداً عن أن أغلب الدول التي تساءلت تقاريرها عن سبب عدم فتح الحدود المصرية دون ضابط أو رابط لم تستقبل فلسطينياً واحداً، فإن ما يطالب به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالياً يضع النقاط (التي رفض البعض رؤيتها في حينها) على ما ورد في هذه التقارير من مطالبات مبطنة بتهجير أهل غزة إلى مصر.

أرى فيما سبق الكثير الذي يستدعي تغير الخطاب من قبلنا، وهو ما سأحاول تلخيصه في نقاط سريعة: القضية الفلسطينية ليست قضية دينية بل سياسية وعسكرية تتعلق بقوة احتلال غاشمة، الاستقبال «المؤقت» المطالب به من قبل «ترامب» لأهل غزة في مصر ليس مؤقتاً بأي حال من الأحوال، وحتى لو كان مؤقتاً فإن أهل غزة أنفسهم لم يطالبوا به؛ الأجيال الشابة والصغيرة في مصر، ومعها الأجيال الأكبر أحياناً، تحتاج إلى عملية تثقيف وتوعية عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعب عربي واقع تحت الاحتلال، من المهم جداً طرح أسئلة ومعها إجابات واقعية منطقية بلا حرج أو رياء عن سبب غياب شعارات «نصرة الأقصى» و«القدس لنا» وغيرها؛ عمليات الهبد والرزع - والتي يشارك فيها للأسف بعض المصريين- من تبكيت لمصر والتساؤل المسموم عن أسباب عدم إرسال الجيوش والعباد المصريين لتحرير فلسطين تحتاج إلى تطهير فكري وبحث عن جذور انطلاق هذه السموم وتصحيح المفاهيم، أخيراً وليس آخراً، إبلاغ الإدارة الأمريكية بأن مصر -قيادة وشعباً- لن تسمح بتهجير أهل غزة لا يتم عبر مخاطبة بعضنا لبعض فقط. القيادة السياسية المصرية تقوم بواجبها على الساحة الرسمية. شعبياً، الرسالة لا تصل إلا عبر لغة يفهمها أصحاب الشأن. لا أتحدث عن الإنجليزية، بل فحوى الرسالة.