«ديب سيك» يهز عرش التكنولوجيا الأمريكية

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

زلزلت الصين الأرض تحت عرش التكنولوجيا الأمريكية وهزت ثوابتها، أطلق التنين الأصفر تطبيقا متطورا للذكاء الاصطناعي فسبب خسائر في حي المال بأمريكا وصلت إلى تريليون دولار، الصدمة الأمريكية دفعت الرئيس ترامب إلى تحفيز الشركات الأمريكية العالمة في مجال التكنولوجية لكي تحسن من أدائها لكي تحقق الفوز، وفي نفس الوقت مدح الخطوة الصينية العملاقة، تلقف العالم الذكاء الاصطناعي ديب سيك بالترحاب الكبير. ديب سيك تفوق في عناصر عديدة على الذكاء الاصطناعي الأمريكي بما فيها شات جي بي تي الأشهر.

عقد الخبراء في دول العالم المقارنات وتبين أن ديب سيك يتميز بأنّه متاح مجانا لجميع المستخدمين ولا تزيد تكلفة تدريب نموذج آر وان الخاص به على 12 مليون دولار بينما تصل تكلفة مثيله في شات جي بي تي إلى 500 مليون دولار. يتميز ديب سيك بأنّه مفتوح المصدر لأي يمنح الفرصة لاستخدامه من دون مخاوف بشأن الخصوصية، بينما شات جي بي تي ليس مفتوح المصدر ما يحد من القدرة على تشغيله.

من أهم سمات ومزايا ديب سيك أنّه يقدم تسلسل الأفكار بطريقة مشابهة لتفكير الإنسان حيث يوضح كيفية وصوله إلى الإجابة ويتفوق في الفهم والشرح المنطقي خاصة فيما يتعلق بالأسئلة التي تتطلب تحليلا منطقيا. بينما يعرض شات جي بيت النتائج النهائية فقط دون الكشف عن تسلسل الأفكار وهو يقدم إجابات ذات جودة عالية لكن يتطلب ضبطا دقيقا للحصول على نتائج مماثلة.

جاء ديب سيك نتاج جهد سنوات طوال حققت خلالها الصين طفرة هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، وكان أحدث إنجازاتها إطلاق نموذج ديب سيك الذي يُعدّ أحد أكثر الأنظمة تطورًا في هذا المجال. ويتابع العالم التغيرات المحتملة في التوازن التكنولوجي بعد ديب سيك بين الدول المتقدمة والدول النامية.

«ديب سيك» نموذج ذكاء اصطناعي متقدم يعتمد على تقنيات مبتكرة وشبكات عصبية واسعة النطاق، يتميز بسرعته الهائلة في معالجة البيانات وتعقيد خوارزمياته التي تمنحه قدرة غير مسبوقة على التحليل والاستنتاج.

بفضل دعم الحكومة الصينية واستثماراتها الضخمة، أصبح «ديب سيك» منافسًا قويًا لنماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية مثل شات جي بي تي. ولا شك أنّ ظهور «ديب سيك» يضع ضغطًا كبيرًا على شركات التكنولوجيا الأمريكية التي كانت تقود مجال الذكاء الاصطناعي لعقود. المنافسة قد تدفع هذه الشركات إلى تسريع تطوير نماذج أكثر تطورًا، لكن في المقابل، قد تؤدي إلى استنزاف الموارد وارتفاع تكاليف البحث.

يمكن أن يمثل «ديب سيك» تحديًا استراتيجيًا للذكاء الاصطناعي الأمريكي، خاصة إذا تمكن من جذب الشركات والدول لاستخدام تقنياته. إذا نجحت الصين في فرض معاييرها الخاصة للذكاء الاصطناعي عالميًا، فقد يتأثر النفوذ الأمريكي في هذا القطاع بشكل سلبي. ومن المتوقع أن يؤدي «ديب سيك» إلى تغييرات اقتصادية عالمية. فمن جهة، يمكن أن يساعد الشركات الصينية على السيطرة على أسواق الذكاء الاصطناعي، ما يقلص من حصة الشركات الأمريكية. ومن جهة أخرى، قد يؤدي إلى خفض تكاليف الخدمات الذكية عالميًا بفضل زيادة المنافسة.

العالم الثالث دائمًا ما يكون في موقف متأثر بتقدم التكنولوجيا في الدول الكبرى. يمكن أن يكون «ديب سيك» فرصة لهذه الدول للحصول على تقنيات بأسعار أقل، ما يساعدها على تحسين قطاعاتها الاقتصادية والتعليمية والطبية. ورغم التحديات الكبيرة، يمكن للعالم الثالث أن يلعب دورًا في هذا السباق من خلال الاستثمار في التعليم التكنولوجي، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتشجيع الابتكار المحلي. بعض الدول مثل الهند ونيجيريا أظهرت قدرة على تطوير تقنيات محلية تنافس عالميًا.

ظهور «ديب سيك» يعكس بداية مرحلة جديدة من المنافسة بين القوى العظمى. هذا السباق لا يقتصر على الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يمتد إلى البنية التحتية الرقمية والمعايير التقنية، ما قد يخلق استقطابًا عالميًا جديدًا.

يمكن القول إن «ديب سيك» ليس مجرد منافس للذكاء الاصطناعي الأمريكي، بل هو عنصر جديد يغير قواعد اللعبة العالمية. كيفية التعامل معه ستحدد ملامح المستقبل التكنولوجي والسياسي في السنوات القادمة. وجوده يمكن اعتباره خطوة ذات أبعاد سياسية واقتصادية كبيرة بالنسبة للصين، لكنها ليست ضربة قاضية لأمريكا بل خطوة أخرى في سباق طويل الأمد بين القوتين الكبريين بالنسبة للبعد السياسي، تسعى الصين إلى تعزيز موقعها كقوة عظمى تكنولوجية مستقلة عن النفوذ الغربي، و«ديب سيك» يمثل ورقة ضغط سياسية. إذا نجحت الصين في تصدير تقنيتها إلى دول أخرى، فقد تُقلص الاعتماد العالمي على الذكاء الاصطناعي الأمريكي وتفرض معاييرها الخاصة، ما يمنحها نفوذًا سياسيًا أكبر.

أما بالنسبة للبعد الاقتصادي فإنّ وجود تقنية متطورة مثل «ديب سيك» يجعل الشركات الصينية قادرة على منافسة الشركات الأمريكية في الأسواق العالمية، خاصة في القطاعات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل التكنولوجيا الطبية، والتعليم، والتجارة الإلكترونية. هذه الخطوة قد تؤدي إلى تقليص الهيمنة الاقتصادية الأمريكية تدريجيًا. إطلاق «ديب سيك» يعني أنّ الصين تمكنت من تقليص الفجوة التكنولوجية مع أمريكا، لكنه أيضًا سيدفع أمريكا إلى تسريع الابتكار للحفاظ على ريادتها.

إذا استمرت المنافسة دون تعاون دولي، فقد ينشأ انقسام عالمي بين معايير وتقنيات صينية وأخرى أمريكية. هذا قد يسبب تحديات للدول التي تسعى للاستفادة من هذه التقنيات. من ناحية أخرى، التعاون أو التنافس الصحي قد يؤدي إلى تقدم تكنولوجي سريع يصب في مصلحة البشرية.

إن ديب سيك ليس ضربة قاضية، لكنه قطعة استراتيجية في لعبة الشطرنج الجيوسياسية والتكنولوجية بين الصين وأمريكا. الطريقة التي ستُدار بها هذه المنافسة هي ما سيحدد شكل المستقبل وتأثيره على العالم بأسره.