أيها الفلسطينيون ابحثوا عن قائد

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

هذا المشهد المهيب في شارع الرشيد على ساحل غزة لموجات بشرية تشكل عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين العائدين إلى الشمال بعد خمسة عشر شهرا من نزوحهم وترك منازلهم وأراضيهم ووطنهم هو تجسيد حي لحقيقة الشخصية الفلسطينية، فهم يعودون وهم يعلمون أنّ بيوتهم معظمها تحولت إلى ركام، وأنّ هناك أعزاء تحتها ينتظرون هذه العودة حتى يواروا الثرى ويسكنوا مرقدهم الأخير، وأنهم سيبدأون حياة جديدة من الصفر وربما تحت الصفر، لكنهم يتسابقون إلى العودة رغم الألم والفجيعة والفقد، يسيرون عشرة كيلومترات كاملة بعزيمة لا يملكها غيرهم.

لقد قُدر عدد العائدين بلا مأوى بأكثر من 90% ممن تعرضت منازلهم لتدمير شامل، لكنهم عادوا، ولأول مرة يعود فيها فلسطينيون إلى أرضهم، ولن تكون الأخيرة بإذن الله، هذا المشهد المهيب لا بد أنه قض مضاجع الإسرائيليين وأصابهم بالرعب أكثر مما هم فيه، ومن المؤكد أنّه أحبطهم بعد أن اعتقدوا أن غزة تمت تسويتها بالأرض، ولكن ها هم أهلها يعودون متعجلين، رغم الأسباب التي يمكن أن تجعلهم لا يتعجلون، لكنه الوطن الذي لا يعلم قيمته مثل الشعب الفلسطيني الذي حُرم من الوطن وأعداؤه يمرحون فيه وفي خيراته.

لكن على الرغم من كل هذه الإرادة الصلبة، فربما تكون المرحلة المقبلة في تاريخ الشعب الفلسطيني هي الأصعب، فهو الآن يفتقد القيادات الموحدة الرشيدة، ويفتقد قوى عربية متماسكة، ويفتقد عالما تتوازن فيه القوى التي يمكن أن تدعمه، ولا يزال بين شقيّ رحى إسرائيل وحماس، وهو وضع يستلزم العمل على إصلاحه، وهذا الإصلاح لا يكون إلا بإفراز قوى وطنية واعية تعيد ترتيب المقاومة الفلسطينية بصورة يقبلها العالم وتستطيع مخاطبته باللغة التي يكتسب بها تعاطفا ودعما يمكنه من السير نحو حل سياسي حقيقي ودائم، خاصة أن السلطة الفلسطينية تعيش في وادٍ والفلسطينيين في وادٍ آخر، ولا نسمع لها صوتا إلا للمطالبة بالحصول على الدعم المادي.

هذه المهزلة لا بد أن تتوقف، فلقد طالبنا كثيرا بالاستفادة من شخصيات فلسطينية شابة وواعية تعمل على تكوين تكتل جديد يحقق للفلسطينيين آمالهم في المستقبل والحياة المستقرة، ولكن لو بقي الحال على ما هو عليه فإنّ السابع من أكتوبر ستتكرر مأساته، والإسرائيليين لن يهدأوا، خاصة بعد مشهد العودة الذي من المؤكد أنّه صدم الحكومة والمجتمع الإسرائيلي والعالم كله ليتأكد أنّ الفلسطينيين ليسوا عدة آلاف مبعثرين لكنهم حشود كبيرة هائلة لن تفنى أبدا.

لقد عبر التيار المتطرف في إسرائيل عن صدمته من هذا المشهد على لسان إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل، فقد قال إنّ دخول عشرات الآلاف من سكان غزة إلى شمال القطاع هو استسلام كامل، وإنّه مشهد مهين، وإن جنود الجيش الإسرائيلي لم يضحوا بأرواحهم لجعل هذه الصورة ممكنة، وإنه يجب على إسرائيل العودة إلى الحرب والتدمير. كما قال بنيامين نتنياهو إنّ إسرائيل ملتزمة بهزيمة حماس مرة واحدة وإلى الأبد، كما كتبت مراسلة قناة 12 الإسرائيلية أنّ النازحين يحتفلون بإذلال إسرائيل.

ردود الفعل الإسرائيلية كثيرة تعكس حقدا سياسيا لا ينبئ عن مستقبل سلام في هذه المنطقة، لهذا يجب ألا تنسينا تلك الفرحة الممزوجة بالحزن أنّه ما زال هناك طريق طويل يجب الاستعداد له، وأن في انتظار الفلسطينيين معارك بقاء يجب ألا تكون حماس وحدها هي من يتولاها، فقد شاهدنا على مدى عام وثلاثة أشهر إلى ما أوصلتنا وما آل إليه حال القضية الفلسطينية، لكل هذا لا يمنع أن هذا الشعب الذي يملك كل هذه الإرادة والشجاعة والعزيمة لا يملك قيادة جديدة واعية، ابحثوا فيما بينكم يرحمكم الله فأنتم في حاجة ملحة لقائد رشيد.