فلتسقط «جروبات الماميز».. ولتحيا حرية الأمهات (6)

إنجى الطوخى

إنجى الطوخى

كاتب صحفي

«على فكرة مش كل جروبات الماميز آثارها سلبية، تجربتنا مختلفة».

انطلقت كلماتها سريعا خلال المكالمة الهاتفية التي دارت بيننا، بينما كان صوتها يتسم بالحماسة والخفة، كانت إحدى الأمهات اللاتي تابعن سلسلة مقالات «فلتسقط جروبات الماميز» على مدار أشهر، ورأت من واجبها التواصل معي للحكي عن تجربة مختلفة خاضتها مع مجموعة من الأمهات فىي مدرسة ابنها الصغير، حيث شكّلن «جروب ماميز» كان بمثابة ملاذ أمان للأمهات يجدن فيه السلوى والدعم النفسي لأنفسهن قبل أن يوفّرن الدعم لأبنائهن.

في الحقيقة كانت كلمات تلك الأم الرقيقة ملهمة، فقد كانت سلسلة المقالات التي بدأت في مايو الماضي ترصد مشكلات جروبات الماميز وتأثيراتها النفسية والاجتماعية مجتمعيا، وآثارها على الأبناء، بل بالفعل كانت هناك حلول للأمهات والآباء في آخر مقال بخصوص تجنّب التأثير السلبي لتلك «الجروبات» ناحية الطلبة من الأبناء.

ورغم كل ذلك بقي أهم عنصر، بل هو الأساس، وهو الأمهات، نون النسوة الرقيقة اللاتي بحب وعن طيب خاطر تُخصّص حياتها، بل أحيانا تنساها خلال متابعة عملية تعليم أبنائها، فهؤلاء الأمهات بحاجة إلى حلول وخبرات لمواجهة تأثير «جروبات الماميز» النفسية والاجتماعية. وفي السطور القادمة نقدم بعضا من تلك الحلول المستقاة من خبراء تربويين ونفسيين وعاملين في المجال التعليمي من مدرسين وموجهين ومديرين في مدارس متنوعة، لعل وعسى تكون زادا للأمهات في رحلتهن العظيمة في تعليم أبنائهن.

وأولى تلك النصائح والحلول أنّ «جروبات الماميز مجتمع تعليمي تربوي يمتاز بالمودة والرحمة بين أعضائه، وليس ترفيهيا في الأساس»، فرغم أنّ «جروبات الماميز» مجتمع نسائي بامتياز، ما يفتح الباب لمجال الفضفضة النسائية وتبادل الحكايات، فإنّ هناك حقيقة يجب أن تكون واضحة كالشمس لا تغيب عن نظر أي أم، وهي أنّ «هناك اختلافات ثقافية وتعليمية وفكرية، بل ونفسية، كبيرة بين الأمهات داخل تلك الجروبات»، وتلك الاختلافات لا تسمح بالاندماج بسهولة كما يعتقد بعض الأمهات، وهو ما يقضي على فكرة أن «جروب الماميز» مكان للحكي والفضفضة، ونحن كأمهات قد ننجح في تكوين صداقات من خلالها، ولكن ذلك ليس شرطا أساسيا، بل يحدث بمحض الصدفة وحسب الظروف الاجتماعية والنفسية.

من المعروف أنّ «السوشيال ميديا» والوسائل التكنولوجية تعتمد على إبراز اللقطة «الحلوة»، وجزء منها هو «جروبات الماميز»، فبعض الأمهات يعمدن إلى تضخيم دورهن في تلك الجروبات، ما يكون أحيانا سببا في انطلاق مبدأ «المزايدة»، فيحول تلك «الجروبات» إلى دائرة تنافس لا تراحم أو تكامل، ومن لا تشارك في تلك المنافسة يتسلل إليها شعور بالضغط وأنّها لا تُحقّق «تارجت الأمومة» وتدخل في دائرة جهنمية من «الإحساس بالذنب والتقصير»، ما يؤثر على نفسيتها وعلى نفسية أبنائها.

لذا من النصائح المهمة أيضا التي يجب أن تضعها كل أم -كما نقول بالعامية المصرية- «حلقة في ودنها» إدراك ويقين أنّ ما تُبرزه جروبات الماميز ليس كل الحقيقة، ولا حتى جزء منها، بل هو مجرد لقطة صغيرة في حياة كبيرة لكل أم عندها ضغوط وتحديات تواجهها يوميا، وفهم أنّ جوهر طبيعتنا الإنسانية أنّ لكل إنسان ميزة وموهبة ميزه الله بها، قليل منها يظهر في تلك الجروبات، وكثير جدا يظهر في الحياة العادية اليومية، وفهم ذلك سيُساعد كثيرا من الأمهات ممن يشعرن بالضيق أو الغضب أو حتى الضغط داخل تلك الجروبات، في أن يتخطوا تلك المشاعر.

من الحقائق التربوية التي لا خلاف عليها، والتي قد تساعد على تقليل التوتر بين الأمهات في «جروبات الماميز» هي أنّ «الطلبة من الأطفال، بل والمراهقين، وارد، إن لم يكن إلزاما، أن يخطئوا وأن تحدث بينهم مشاحنات داخل المدارس»، فهذا جزء من طبيعة نموهم، وهنا لا بد أن نلتمس لهم الأعذار، فهذه «سن التجربة والخطأ» أو الشقاوة، وعلينا كأمهات أن نخجل من تصدير طاقة الكره أو الرفض، سواء لأبنائنا أو أبناء أمهات الأخريات إن أخطأوا، فهم كائنات تحتاج إلى الحب والتفهم كي تنمو، لذا فنحن فقط نرفض سلوكهم الخطأ، والحل دوما هو تفعيل دور الأخصائي النفسي في المدرسة، والابتعاد عن التدخل الشخصي.

عند حدوث أي شجار أو مشاحنة في جروبات الماميز هناك قاعدة ذهبية تقول بضرورة «تجنّب النقاش بشكل علني، أو على الجروب العام، حتى لا تزداد الأمور تعقيدا»، «ومن الأفضل دوما أن تتم المحادثة بين الأم ونظيرتها بشكل خاص»، ومن المهم أن «تضع الأم نفسها مكان الأم الأخرى ولو بضع ثوانٍ»، لتتفهم مشاعرها وتنظر إليها بعين الرحمة، وتدرك أنّها أم مثلها بالضبط تخاف على أبنائها وتبذل كل ما في وسعها لتربيتهم، وبالتالي يكون من السهل إيجاد الحلول، فلا توجد أي استفادة من الصراع أو المشاحنات المستمرة، بل تكون الخسارة من نصيب الجميع بلا استثناء.

ومن المهم جدا التواصل الإيجابي في «جروبات الماميز»، والذي يعني احترام كل الآراء، ونشر التجارب الإيجابية، ورفض نشر الشائعات، وتجنب إصدار الأحكام على أي تجربة خاصة بأم، حتى إن ارتكبت أى منهن خطأً ما، فالحل هو التماس الأعذار مرة واثنتين وثلاثا، والتعامل الرحيم، وتقديم روح التعاون، وفهم أنّ بعض الأمهات قد تنقصهن الخبرة، ما يخلق بيئة داعمة للصحة النفسية للأمهات.

وأخيرا «ما كان الرفق في شيء إلا زانه»، فالرفق ثم الرفق ثم الرفق، ويليه التراحم، فهما أسس التعامل بين أعضاء جروبات الماميز، فيدركن أنّهن يمررن بنفس الظروف ونفس التحديات بل ونفس الضغوط النفسية والمجتمعية القاتلة، التي تحتاج إلى كل ذرة تعاطف وسند، فالمدرسة مرة أخرى ليست سباق تنافس بين الأمهات، بل هي رحلة تعليمية ستنتهي في يوم ما، وما يبقى منها فقط هو الأثر الطيب في قلوب البشر.