سلام غزة.. ما أحلاه

مرحبا بالسلام في غزة، مرحبا بحقن الدماء، مرحبا بالأمن والأمان، مرحبا بوقف القصف، وداعا للبطون الجائعة والأجساد العارية التي أنهكها الجوع والبرد، ما أقسى الجوع إذا حدث لأسرة، فكيف إذا أنهك أمة بأسرها مثل أهل غزة! فهو حقا «بئس الضجيع» كما وصفه الرسول «صلى الله عليه وسلم».

ما أحلى السلام في غزة، يكفي فرحة الأطفال بوقف القصف ودخول المساعدات، يكفى فرحة الرجال للعودة لمنازلهم حتى لو كانت حطاما، وفرحة الأمهات أن دماء الباقي من أبنائهن قد حُقنت، وفرحة الآباء بأنهم لن يفقدوا مجددا أحدا من أولادهم.

الفرحة تغمر الجميع، حقا إنها فرحة السلام، وهي أجمل فرحة، السلام رحمة ورفق وتواصل وفرحة وتآلف، وعودة إلى حياة الناس الطبيعية، الحرب دماء وخراب وبكاء وألم وفراق وموت.

وداعا للحروب والأشلاء والدماء والجراحات، وداعا للآهات والبكاء، وداعا لآهات ودموع وأحزان الثكالى والأرامل والأيتام.

ونرجو أن يدوم السلام، وأن تكون هذه الدماء الفلسطينية لعنة على كل من قتلهم وجرحهم وأحزنهم وأبكاهم ودمر منازلهم ومدارسهم وجامعاتهم وشوارعهم وحول حياتهم إلى جحيم.

ما زلت أومن بأنّ القائد العظيم هو الذي يجنب أمته وشعبه ويلات الحروب والدمار حتى لو حولت الحرب شعبه إلى شهداء عظام، فمهمة القائد العظيم هي الحفاظ ما أمكنه على شعبه وأمته بالعدل والحق، وأن يجنبهم القتل والخراب والجراحات ما استطاع إلى ذلك سبيلا، إذا حول القائد أمته إلى شهداء فهم سينالون الثواب وقد ينال العقاب لسوء التقدير.

فالقائد العظيم لا يزج بأمته في حروب غير متكافئة تدمر مقدرات شعبه وأمته، فإذا غلب على القائد الظفر والمصلحة بقياسات وضوابط عسكرية واستراتيجية صحيحة مضى، وإذا غلب على ظنه عكس ذلك أحجم، كما ورد في كل كلام الفقهاء، فالحروب تدور على فقه المصالح والمفاسد التي يحددها أهل هذا العلم العسكري والاستراتيجي.

سلام على الشهداء العظام من أهل غزة وغيرهم، سلام على الجرحى الصابرين، سلام على الأرامل والثكالى.

ضرب أهل غزة أعظم نموذج للثبات والبذل ومقاومة المحتل، حتى قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية «إن أهل غزة ضربوا أعظم مثل للدفاع عن أرضهم وبلادهم»، وحقا فإنّ أمما كثيرة حاربت واستسلمت في أيام وأسابيع، ولكن أهل غزة صمدوا أكثر من 400 يوم وهم يواجهون جيشا مدججا بأحدث أسلحة الدمار والخراب، ويواجهون ترسانة حربية إسرائيلية تعتمد على أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الأمريكية والأوروبية، صمد أهل غزة صمود الأبطال بأسلحة بدائية بسيطة والفارق التكنولوجي بينهم وبين الجيش الإسرائيلي يجاوز خمسين عاما.

تحية لشعب غزة الأبي، تحية لكل أم ثكلى، ولكل أرملة صابرة، ولكل أب مكلوم رضوا عن الله فرضي عنهم، تحية للقابضين على الجمر، أهل الرباط.

استقال رئيس الأركان الإسرائيلي واستقال قائد المنطقة الجنوبية العسكرية الإسرائيلية لشعورهما بالتقصير ومسؤوليتهما عن هزيمة 7 أكتوبر في العام الماضي رغم أنّ خسائر إسرائيل لا تقارن بخسائر غزة ورغم ردهم المجرم على أهل غزة، وعلى أهل جنوب لبنان وأعمال الإبادة الجماعية التي قاموا بها في غزة.

أما أهل غزة فاستُشهد منهم 55 ألفا، وجُرح قرابة المئة ألف جريح وهدمت كل جامعات ومدارس ومستشفيات غزة، وسويت منازلها بالتراب، ورغم ذلك لا يجرؤ أحد على انتقاد قرار الحرب في 7 أكتوبر، الذي جر على أهل غزة كل هذه الويلات.

لو انتقد أحد قرار «حماس» بالحرب في 7 أكتوبر ستنهال عليه الشتائم والسباب والاتهامات بالتخاذل والجبن والخور، إعمار غزة يحتاج إلى 70 مليار دولار وقد يستغرق سنوات، قرار الحرب يقوم على المصالح والمفاسد ولا يدور على الحق والباطل، ومن معه الحق ومن معه الباطل.

الفكرة الاستراتيجية لإسرائيل هي إقامة وطن قومي آمن لليهود، ومجاهدو غزة شطبوا كلمة «آمن» من هذا الهدف الاستراتيجي، وبحذف هذه الجملة فإنّ الصهاينة لن يحققوا أي هدف، وسيترك معظم اليهود فلسطين إلى أي دولة أخرى في العالم، وكلهم لهم جوازات سفر لعدة دول.