الإسماعيلية الجديدة.. الإنجاز "مش مجرد قناة"

الإسماعيلية الجديدة.. الإنجاز "مش مجرد قناة"
تدور تروس خلاطات الأسمنت بشكل متواصل، يرص البناءون قوالب الطوب الأحمر جنباً إلى جنب، ويساوى العمال خلطة الخرسانة المصبوبة، فى الوقت الذى يتسابق فيه صاحب شركة المقاولات لاستدعاء مندوب الجيش، كى يعاين العمارة ضمن مسابقة أعلنتها القوات المسلحة بين شركات المقاولات، تفوز بها أسرع الشركات إنجازاً لأولى عمارات المرحلة الأولى من مدينة الإسماعيلية الجديدة.
بدأ العمل فى أولى مراحل مدينة الإسماعيلية الجديدة فى ديسمبر 2014، ومنذ نحو 3 أشهر رفرفت ثلاثة أعلام مصرية فوق 3 عمارات، كانت هى أول ما أنهته شركات المقاولات، وحسب أحد العمال فإن الجيش رصد مكافأة مالية «لأول شركة تنتهى من أول عمارة لها فى المشروع، وكانت هناك شركتان تتنافسان، شركة «الشريف»، وشركة «ميت غمر»، وشركة «الشريف» خلصت الأول، فالجيش سلمها المكافأة، وسلم الأعلام لأول 3 شركات انتهت من أول 3 عمارات».
وفقاً للتخطيط الذى سلمته القوات المسلحة لشركات المقاولات القائمة على بناء عمارات المرحلة الأولى، فإنه من المقرر أن تمتد حدود مدينة الإسماعيلية الجديدة بين شط القناة الجديدة غرباً وحتى الطريق الداخلى الذى يربط الإسماعيلية ببورسعيد من الشرق، وتضم المرحلة الأولى فقط مئات العمارات السكنية.[FirstQuote]
داخل عشّة أقامتها إحدى الشركات فى محيط قطاعها، جلس رضوان محمد، مقاول الخرسانة، مع بعض العمال، وقد تحجرت كتل الأسمنت على نسيج ملابسهم وشعرهم، بعد يوم عمل طويل بدأ فى السادسة فجراً، حاولوا أن ينهوه بكوب من الشاى وبعض السجائر التى تقاسموها.
يقول «رضوان» إن المشروع يضم حوالى 300 شركة مقاولات، حيث فضّلت القوات المسلحة ألا تتولى كل شركة بناء أكثر من 10 عمارات، لإنهاء المشروع فى أقرب وقت ممكن، وحسبما يقول مقاول الخرسانة، فإن المرحلة الأولى من المدينة الناشئة على شط القناة الشرقى ستضم «حوالى 700 عمارة و300 فيلا، غير المناطق الخدمية، وفيه منافسة قوية بين الشركات أن كلهم يخلصوا قبل بعض».
فى بداية المشروع، طالبت القوات المسلحة شركات المقاولات بإنجاز المرحلة بالكامل فى 6 أغسطس، بالتزامن مع افتتاح قناة السويس الجديدة، لكن يردف «رضوان محمد» قائلاً: «كل الشركات بدأت من 6 أشهر فقط، وكان من الصعوبة أن 1000 عمارة تخلص فى المدة دى، أى نعم مالحقناش نخلص فى الوقت اللى الجيش طلبه، لكن الشغل اللى اتنفذ هايل، الأرض لما استلمناها كان فيها تل رمل، والشركات فضلت تفحت فى الأساسات شهرين».
يشرف «رضوان» على عدد من العمال لإنجاز ما يُعرف بين عمال الخرسانة باسم «فرمجة الخرسانة»، وهى تسوية أسطح الخرسانة لتصبح ملساء ومعزولة، «معايا عمال فى الموقع من جميع المحافظات، من الفيوم وبنى سويف والمنيا، وكل من له لقمة عيش بيشتغل معانا»، يتابع «رضوان». لا يتعامل مقاول «فرمجة الخرسانة» مع مهندسى القوات المسلحة مباشرة، وإنما مع شركات المقاولات والنجارين المسلحين، لكنه يوضح أن الشركات تخضع لمرور يومى من مهندسى القوات المسلحة لمعاينة مواقع العمل فى العمارات السكنية الألف، مفصلاً: «يوماتى فيه إشراف من الجيش، وكل خطوة بنعملها فيه مهندسين ظباط من الجيش بياخدوها يؤكدوا عليها مرة واتنين وتلاتة».
وقوع «الإسماعيلية الجديدة»، بين المعدية نمرة 6 وقريتى الأبطال والتقدم دفع الكثير من العمال إلى استئجار بعض المنازل والشقق فى تلك القرى، فضلاً عن شراء بعض العمال احتياجاتهم اليومية من مأكل ومشرب من تلك القرى، بشكل أنعش حركة البيع والشراء هناك.
لكن سعد سيد، أحد العمال فى موقع الإنشاء بمدينة الإسماعيلية الجديدة، يقول إن شركته واحدة من الشركات التى تحضر سيارة محملة بالخضراوات والطعام يومياً للعمال، بما يوفر عليهم الحاجة لقطع بضعة كيلومترات على الأقل لشراء مستلزمات أكلهم من قرية التقدم الأقرب: «لكن الميّه هى المشكلة لحد دلوقتى، لأن الميّه الموجودة مالحة». تظهر بقع الأسمنت على طاقية الرأس التى يرتديها «سيد»، وعلى أطراف ملابسه وبنطاله، إذ يعمل الشاب الثلاثينى فى نقل الرمل والزلط والأسمنت، ويوضح «سيد» مدى عناء وظيفته مع ارتفاع درجات الحرارة فى فصل الصيف: «لما بدأنا شغل كنا فى الشتا اللى فات، وكان الشغل أخف بحكم الجو، لكن دلوقتى الجو نار والشغل أصعب، وربنا يعيننا على أكل العيش».
يتوقع عامل المشروع الثلاثينى، أن تنتهى المرحلة فى وقت قريب، خاصة مع توافر المال اللازم لدفع رواتب العمال، مستطرداً: «لو الفلوس موجودة، أكيد كل حاجة هتخلص فى ثوانى، والجيش عامل شىء كويس، لأنه مش مدى لكل شركة أكتر من 10 عمارات، فإنجاز كل شركة بيكون سريع».[SecondQuote]
يبدأ يوم العمال فى مدينة الإسماعيلية الجديدة الناشئة وقت الفجر، مع استيقاظ العمال فى السادسة من صباح كل يوم، ويقول «سعد» إن العمال يظهرون التزاماً بمواعيد العمل التى تستمر من السادسة صباحاً وحتى السادسة مساءً: «يكفى أن المشروع مشغّل العدد ده من العمال، وفاتح بيوت كل دول، وبالتالى لازم العمال يلتزموا، لكن مطلوب برضه أن الحكومة تعمل مشاريع شبه الإسماعيلية الجديدة على طول القناة الجديدة».
يتناوب عمال بعض الشركات نوبات العمل (النوبتجيات)، ومن بينهم أحمد سعد الذى يعمل نجاراً مسلحاً لدى إحدى شركات المقاولات فى الموقع، وبدأ «أحمد» العمل فى مواقع الإنشاءات بالتزامن مع بداية العمل فى الإسماعيلية الجديدة، وخلال تلك الفترة لاحظ النجار المسلح أن «كل الشركات ماشية بنفس السرعة بينهم وبين بعض، خصوصاً فى أول كام عمارة، لما الجيش عمل مسابقة يكافئ أول شركة تنتهى من أول عمارة».
يحاول عمال المرحلة الأولى من مدينة الإسماعيلية الجديدة مجاراة معدلات الإنجاز التى حققها عمال حفر القناة الجديدة، إذ يضع «أحمد» نفسه هو وعمال «الإسماعيلية الجديدة» فى موضع مقارنة مع عمال حفر القناة، طامحين فى أن تعتمد عليهم السلطات فى المراحل الإنشائية المقبلة من المدينة، التى ستصل حسب العمال إلى 16 مرحلة.
أحمد سعد من سكان محافظة الشرقية، متزوج ولديه طفلة أنجبتها زوجته بعد خمسة أشهر من بدء المشروع الذى انضم إلى العمل فيه، الأمر الذى صعّب عليه فكرة الانتقال من الشرقية إلى الإسماعيلية، لكنه يقول: «لولا أن الواحد له بيته وأرضه فى الشرقية كنت جيت هنا، بس الدنيا بقت أصعب بعد ما ربنا إدالى (ندا) بنتى، لكن بافكر فى المستقبل أجيب (ندا) وأمها وننقل هنا، خصوصاً أن دى المرحلة الأولى بس من المشروع، وعلى ما نسمع لسه فيه 15 مرحلة تانية فى الإسماعيلية الجديدة، يمكن على ما (ندا) تكبر تلحق تشوفنا واحنا بننهى المرحلة الأخيرة من المشروع».