معركة الوعي الحقيقي

محمد صلاح

محمد صلاح

كاتب صحفي

يظن البعض أنّ الحرب غير النمطية بديل عن الحرب التقليدية، إلا أنّ هذا الظن يستدعي المراجعة والفهم الحقيقي لأهداف هذا النوع من الحروب، والذي يعتمد على التلاعب النفسي ونشر الشائعات وبث الطاقة السلبية عبر منصات التواصل الاجتماعي، ونشر حالة عامة من الشك وعدم اليقين، سواء ما بين الناس وبعضهم البعض، أو بينهم وبين دولهم ومؤسساتها في الوقت نفسه، وهي أهداف مرتبطة بالتدمير الذاتي للدول والمجتمعات بهدف تجهيزها للسقوط السريع عند الانتقال من الحرب غير النمطية إلى الحرب النمطية، وتضمن للدول المعادية وأجهزتها الوصول لأهدافها غير المعلنة بأقل تكلفة مادية وبشرية ممكنة!

بل يمكن أن نقول إنّ الدول القوية والمستقرة والتي تملك زمام أمورها هي وحدها التي يتم استهدافها بهذا النوع من الحروب التي تتنوع أساليبها وتكتيكاتها ما بين الاقتصادية والنفسية والاجتماعية، والتي تستهدف بالدرجة الأولى الجبهات الداخلية لهذه الدول، وتعتمد بشكل رئيسي على عديمي الانتماء ومنخفضي الوعي والثقافة، وتعتمد على الغوص في تفاصيل التفاصيل، حيث يسكن الشيطان، من أجل إشعال الأمور وإبقاء كافة الأمور بشكل دائم فى دائرة عدم الاستقرار لأطول فترة ممكنة!

هذه المقدمة لا غنى عنها لكل من يرغب في فك شفرة الأحداث المتتالية إقليميا ودوليا، وهي أساس معركة الوعي التي انطلقت منذ اللحظة الأولى لثورة 30 يونيو التي كانت حدثا فارقا في تاريخ مصر والعالم، وعطلت مخططات إقليمية ودولية تم الإعداد لها على مدار سنين من خبراء وأكاديميين محترفين، ذلك أنّ نشر الوعي الحقيقي وتوضيح كافة الحقائق للرأي العام ومجابهة الشائعات والأخبار غير الصحيحة وتثقيف المصريين بطرق مواجهة الحيل والألاعيب النفسية، هي الطريقة الوحيدة لمواجهة الهجوم غير النمطي والوعي الزائف!

ولا يوجد تعريف للوعي الحقيقي سوى الفهم الكامل والصحيح لأسباب المشكلات، ما يؤدي إلى التقاطها بالحوار العقلاني والصحي الذي يؤدي للوصول إلى حلول تُرضي الجميع ولا تضر بثوابت الأمن القومي للدول، وكلما زاد مستوى الوعي المجتمعي زادت مناعة المجتمع والأفراد ضد أسلحة هذا النوع المتقدم والمتطور من الحروب، كلما ارتقى الوعي أدرك الفرد، دون مساعدة من أحد، الأهداف الحقيقية لكل ما يدور حوله من أمور وأحداث وملابسات، وتمكن من كشف الأهداف المعلنة وزيف الدعاية الإعلامية والاقتصادية التي يلجأ لها الأعداء عبر القنوات التليفزيونية ومختلف وسائل الإعلام!

هذه الأيام تقترب معركة الشرق الأوسط من نهايتها، وتمر المنطقة بمرحلة فارقة وشديدة الخطورة يتحدد خلالها مستقبل هذا الإقليم بالكامل، حيث تشتد المواجهة ما بين الوعي الحقيقي والوعي الزائف، وتحتدم المواجهات على كافة الأصعدة والمستويات، وتضغط كل الأطراف بكل ما تملك من قوة من أجل الوصول لأهدافها الخبيثة وتنفيذ مخططاتها وإخضاع شعوب العالم، ضغوط شديدة تمارَس من كل الجهات الاستراتيجية وفي كل الملفات والقضايا، وأصبح اللعب فيها على المكشوف، وكل ما كان يقال في الغرف المغلقة أصبح معلنا ويتم تناوله بالنقد والتحليل والتسويق أيضا!

ولا جديد يقال اليوم سوى أنّه كلما اقتربنا من النهاية تعقدت الأمور وزادت الضغوط وارتفعت وتيرة نشر الشائعات والهجوم الإعلامي كمحاولات بائسة ممن يطلقها للوصول إلى أهدافه الخبيثة، لكن ما يبعث على الاطمئنان أن مصر قد استعدت جيدا لهذه المرحلة، وطوّرت كافة أسلحتها وبنيتها التحتية، وأصبحت جاهزة للدفاع عن نفسها ضد من تسول له نفسه المساس بمقدراتها، وسواء ارتفعت وتيرة الحرب اللانمطية أو انتقل الأعداء إلى الحرب التقليدية فالنتيجة محسومة مقدما، مصر الكبرى أصبحت أمرا واقعا، وطائرة المجد تستعد للإقلاع، فضلا اربطوا الأحزمة!