الدكتورة عبلة الكحلاوي.. مسيرة عطاء باقية
- العلاقات العامة
- تنفيذ الأحكام
- تيار كهربائي
- حبس مستأنف
- حكم حبس
- حملات أمنية
- سرقة تيار
- مديرية أمن أسوان
- العلاقات العامة
- تنفيذ الأحكام
- تيار كهربائي
- حبس مستأنف
- حكم حبس
- حملات أمنية
- سرقة تيار
- مديرية أمن أسوان
عاصرت الدعوة الإسلامية سنوات عجاف، وصلت خلالها التيارات المتطرفة إلى أوج انتشارها، حاولت تلك الخلايا الخبيثة بث سموها في جسد هذا الوطن الحبيب، روجوا لمعتقداتهم على أنها رؤية الله في الأرض، ومن خالفها فهو مخالف لشرع الله، خارج عن ملة الإسلام، وقتله واجب على عموم المسلمين، على الجانب الآخر، كان هناك علماء ربانين اختصهم الله بمهمة الدفاع عن شرعه، وكشف زيف المرتجفة، عملوا على إبلاغ رسائل الدين السمحة للناس، فكانوا ومازالوا ضمير هذه الأمة وقلبها النَّابض، وعقلها المفكِّر، من بين هؤلاء، د. عبلة الكحلاوي، أيقونة الدعوة النسائية وصاحبة المسيرة العطرة في مجال الدين وخدمة المجتمع.
شكلّت «ماما عبلة» - كما كنت أحب أن أناديها- علامة فارقة في تاريخ الدعوة النسائية، كونها أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر حيث كانت نموذجًا للمرأة الصالحة لدينها ومجتمعها، سلكت طريق الدعوة إلى الله، فأَلِفَتها القلوب، وأنارت بعلمها العقول، وجعلها الله عونًا لمساعدة الفقراء والأيتام، تمكنت من كسر هيمنة الرجال على منابر الدعوة وتوجهت إلى مخاطبة الجماهير بوسائل العصر الحديث وأسلوب يعتمد تقديم رسالة الدين في إطار عصري، حرصت في أحاديثها الدينية وبرامجها الفضائية على تحذير المرأة المسلمة من الانخداع بالقيم والأفكار المتطرفة، والبعد عن الغلو الديني.
أثبت د. عبلة الكحلاوي منذ أول يوم لها في الدعوة إلى الله، قدرة المرأة في التصدر لمجال الدعوة، إذ حققت نجاحات باهرة في مسيرها، يشهد بذلك القاصي والداني، من منا ينسى أنها أول إمرأة تلقي دروس دينية للسيدات في الجامع الأزهر، وإعتلائها منابر الجامعة في مصر وبالخارج، لتلقي المحاضرات الشرعية، انطلقت في رحلتها نحو فتح الأبواب على مصراعيها أمام السيدات والفتيات للتوغل في العلوم الإسلامية، وساعدتهن في وضع أيديهن على أمهات الكتب، ومخازن علوم الشريعة.
عاصرت أيقونة الدعوة النسائية، سنوات عاصفة عاشتها البلاد، حاربت خلالها رؤى المتطرفين، ودافعت بوطنيتها الخالصة عن الدولة المصرية، صالت وجالت مع المخلصون من أبناء هذا الوطن للتأكيد على رفض جماعات التطرف ودعوة المصريين لتصحيح مسارهم والوقوف ضد تلك المجموعات الشاذة البعيدة عن روح المجتمع المصري، حاربتهم بكل قوة، فأكدت في أحاديثها على ضرورة الانتماء لهذا الوطن، وأنها لا تتعارض بين الوطنية وصحيح الدين القويم، بل إن رب العالمين دعانا لضرورة إعمار الأرض وحثنا للدفاع عن الوطن ضد المفسدين.
برعت «ماما عبلة» في تحطيم رؤية الأخوان والسلفيات، فغيرت الصورة الأيقونية للمرأة المسلمة التي صنعتها جماعات التشدد حول حقيقة المرأة، فخلال دروسها ولقاءاتها الدائمة كانت تستمع لهموم ومشكلات المرأة المُسلمة، وتقدم لهن الخطاب الديني الواعي في أسلوب سهل وشيق، أكدت على دور السيدة في تشكيل وعي الأسرة وإعداد أجيال المستقبل وفق أسس منهجية صالحة قائمة على نشر الخير وتذكية روح الإسلام القويم التي تنأى بالإنسان عن التطرف والقسوة وبشاعتها، فكان لكلماتها عظيم الأثر في نفوس مُحبّيها.
لم يقتصر دور «سيدة المحبة»، على الدعوى والوعظ والإرشاد فقط، لكنه امتد ليشتمل أفعال الخير، فأسست جمعية للأعمال الخيرية تحمل مسمى «الباقيات الصالحات»، عكفت من خلالها، على رعاية الأطفال الأيتام، وتقديم الدعم لمرضى السرطان، وكبار السن من مرضى الزهايمر.
تقول العزيزة والغالية د. مروة ياسين، نجلة د. عبلة، إن سبب إطلاق مسمى «الباقيات الصالحات» يعود إلى الآية الكريمة «المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا»، فالباقيات الصالحات تشمل كل عمل صالح يمكن قيام الإنسان به، وهي الأعمال الصالحة التي لا تزول وثوابها خالد، فهي خير من الدنيا التي هي غير باقية. كانت آخر وصايا الدكتورة عبلة الكحلاوي، هي عدم غلق الباقيات الصالحات، فكانت هذه الكلمات الأخيرة.
على المستوي الشخصي، ربطتني علاقة قوية بـ«ماما عبلة»، رحمها الله تعالي وجمعنا بها في جنته، كنت أراها تجسيدا لسماحة الدين الحنيف وطاقة من النور، كانت من العالمات العاملات، وتركت لنا إرثا كبيرا في مجال الدعوة، فكان حديثها دائما مقرونا بدعوات الصلاح والفلاح والستر، انجذبت لدعوتها وفكرها كما انجذب الملايين، حيث المحبة الخالصة، فهوت إليها القلوب، واليوم حيث تحل ذكرى رحيلها، نتذكرها دائما بالخير، فكانت نموذجًا مشرفًا وعظيمًا للمرأة المصرية المخلصة لدينها ووطنها.. رحم الله الدكتورة عبلة الكحلاوي.