البكالوريا والثانوية العامة: تحديات التطبيق وسبل النجاح

عبير فتحي

عبير فتحي

كاتب صحفي

بمناسبة اليوم العالمي للتعليم.. نتحدث عن معاناة طلاب الثانوية العامة في مصر منذ سنوات سابقة من قرارات متسرعة وتجارب تعليمية تُوصف بأنها تطوير، لكنها تفتقر إلى التخطيط والدراسة العلمية، هذه السياسات أدت إلى تغيير نظام الثانوية العامة ست مرات خلال العقد الأخير، وهو أمر لم نشهده في أي دولة أخرى، التغييرات المتكررة لم تقدم أي تطوير حقيقي، بل زادت من الارتباك والضغوط النفسية على الطلاب وأسرهم، ما يثير تساؤلاً مهماً جداً.. هل نحن بصدد إصلاح حقيقي أم مجرد تغييرات شكلية؟

‎في سياق هذا الجدل، جاء اقتراح جديد من وزارة التربية والتعليم لتحويل نظام الثانوية العامة إلى نظام البكالوريا، يرى البعض أن البكالوريا قد تكون الحل السحري لإنهاء كابوس الثانوية العامة، بينما يرى آخرون أنها تجربة جديدة غير مدروسة قد تزيد الأمور سوءاً.. البكالوريا، كنظام تعليمي دولي، تختلف تماماً عن الثانوية العامة التقليدية. فبينما تعتمد الثانوية العامة على مناهج ثابتة وتقييم نهائي حاسم، يتيح نظام البكالوريا مرونة أكبر في اختيار المواد، كما يعتمد على التقييم المستمر من خلال المشاريع والامتحانات والأنشطة العملية.

‎نظام الثانوية العامة له مزاياه كونه مألوفاً للأسر والطلاب، ويمنحهم فرصة للتعويض عبر التركيز على الامتحانات النهائية، لكنه يعاني من سلبيات عديدة، أبرزها الضغط النفسي الهائل الناجم عن الاعتماد على امتحان واحد لتحديد مصير الطالب، فضلاً عن افتقاره إلى تطوير المهارات الحياتية والعلمية التي يحتاجها الطلاب في المستقبل. في المقابل، يتميز نظام البكالوريا بقدرته على تخفيف الضغط النفسي بفضل التقييم المستمر، كما يركز على تنمية مهارات التفكير النقدي، والبحث العلمي، والعمل الجماعي، ما يؤهل الطلاب للالتحاق بالجامعات العالمية.

‎لكن مع كل هذه الإيجابيات، فإن تطبيق نظام البكالوريا في مصر يواجه تحديات كبيرة. أولها الحاجة إلى إعداد مناهج جديدة تتماشى مع متطلبات هذا النظام، في وقت لا تزال الوزارة تعمل على تطوير المناهج الحالية للإعدادية والثانوية العامة، إضافة إلى ذلك، يتطلب هذا النظام استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وتدريب المعلمين على أساليب التعليم والتقييم الجديدة. كذلك، يعتمد نظام البكالوريا على توزيع الامتحانات على أربعة أشهر، وهو أمر قد يُربك العملية التعليمية في المدارس.‎

ورغم التأكيد السياسي على أهمية التكنولوجيا في التعليم، إلا أن مواد مثل البرمجة والحاسب الآلي ما زالت تُعامَل كمقررات ثانوية غير مضافة للمجموع. يضاف إلى ذلك غموض خطة التنفيذ، ما يجعل من الصعب تقييم مدى نجاح هذا النظام في المستقبل. ‎خطوة الحكومة بإحالة قضية تطوير التعليم إلى الحوار المجتمعي تعتبر بداية إيجابية، لكنها ليست كافية، تطوير التعليم ليس مجرد شعارات أو مسميات، بل يحتاج إلى رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار جميع التحديات، وتضع مصلحة الطلاب ومستقبلهم على رأس الأولويات، والحل لا يكمن فقط في تغيير النظام التعليمي، بل في بناء نظام متكامل يركز على تأهيل المعلمين، تحديث المناهج، وتوفير بنية تحتية متطورة تضمن تطبيق هذه الإصلاحات بفاعلية.

وفي النهاية تبقى كلمة.. يجب أن نتوقف عن اتخاذ الطلاب أداة للتجارب غير المدروسة، وأن نعمل على بناء نظام تعليمي يخدم الجميع بشكل حقيقي، التعليم ليس مجالاً للتجارب المتكررة، بل هو أساس لبناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر وصنع مستقبل أفضل.