كتاب: أزمة المجال الديني في مصر

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

صدر مؤخراً كتاب: (الصراع على الدين في مصر.. أزمة المجال الديني في مصر)، للباحث والكاتب أحمد زغلول شلاطة، المتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي، عن مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، تتناول الدراسة العلاقة بين الفكر والسياسة عند التيار السلفي، وصراع التيار السلفي على المؤسسة الدينية الرسمية، والتدافع الافتراضي بين الفعالين الدينيين، وواقع التيار السلفي بين ما يدعو إليه وما يمارسه على الأرض، كما خصص فصلاً تناول فيه الصوفية ودورهم في الواقع السياسي والديني، ورصد تفاعلات المشهد الصوفي، والمسارات المستقبلية للصوفية السياسية، كما تناول التطرف الديني في ضوء حضوره الرقمي، ودور التعليم الشرعي ومساراته وتحولاته، وموضوعات أخرى متعددة.

توصلت الدراسة إلى أن موقع الدين في المجال العام مثار تباين في تطبيقات مختلف التجارب السياسية، بل وفي الدولة نفسها، وهو ما يشير إلى أزمة مزدوجة، منها ما يتعلق بتصورات الفعالين الدينيين، ومنها ما يتعلق بطبيعة المجتمعات وتطورها، وتأثيرات فلسفة النظم الحاكمة، مثل بيان الثالث من يوليو 2013 والمتعلق بإنهاء التجربة السياسية لجماعة الإخوان في الحكم، وبداية التأسيس لجمهورية جديدة، وفي ضوء ذلك بحث المؤلف في مسارات الحالة الدينية في المجتمع عبر تحليل خطاب الأزهر والتيار السلفي.

انطلقت الدراسة من إشكالية عدم القدرة على الاستجابة للتحديات الجديدة من الفعالين الدينيين، نتيجة تباين مساراتهم المختلفة، سواء فيما يتعلق بالرؤى الذاتية للمستهدف تحقيقه، أو في مدى القدرة على التكيف مع التحديات الجديدة، والتي يظهر فيها الأزهر -من وجهة نظرنا- الأقدر على التكيف وإدراك الواقع.

الدراسة تذهب إلى أن السياق السياسي الداخلي لمسار السلفية يرتبط بتوازنات الصراع السياسي وموقف النظام منها ما بين استخدامها أو تحجيمها، كأن يتم السماح لهم بالحضور مقابل تحجيم أفكار الجهاديين.

يقول المؤلف: «تمثل الحالة السلفية عامة والمصرية بصفة خاصة - إشكالات مركزية، منها ما يتعلق ببنيتها الفكرية في ظل ما يتسم به تسويق الفكرة السلفية من بساطة الطرح، عبر اختزال مفهوم السلفية بأنه الإسلام الصحيح، وما يتفرع عن ذلك من أسئلة تتعلق بضوابط مرجعياتها في تفاعلها الشرعي مع المستجدات، وآليات التقعيد الشرعي لخطابها تأتي الإشكالية السوسيولوجية للفكرة السلفية، مثيرة أمرين، أولهما طبيعة التحديات الداخلية أمام منظريها ومعتنقيها، وحدود قدرتهم على الاستمرارية اليومية والتأثير في مجتمعاتهم في ظل الضوابط المرجعية والتحديات التي يواجهونها، وثانيها حجم تأثيرات تلك الفكرة في عموم المجتمع».

قدمت الدراسة عدة توصيات، تمثل خلاصة ما انتهى إليه الكاتب في رؤيته للإصلاح الديني، أبرزها:

* تحفيز ودفع التيار الصوفي الحزبي نحو المشاركة السياسية، عبر توفير الدعم اللوجستي، والمساهمات الفنية في بناء حزم برامجية، بهدف إعادة إدماج قطاعات من شباب التنظيمات الإسلامية المتحفظين على ممارسات العنف، والحيلولة دون جذب المزيد عبر تفكيك مسببات العنف، وتهيئة نخبة الأزهريين للاشتباك مع الشباب في القضايا الفكرية التي تثيرها الجماعات الدينية، بهدف تفكيك تلك الأطروحات بصورة مبسطة.

* تعظيم الاستفادة من موارد وقدرات المؤسسة الدينية، وذلك بتطويرها المستمر عبر إتاحة الفرصة لطلاب الدراسات العليا من مختلف التخصصات المعنية، والباحثين المعنيين بنشاط مراصد المؤسسة لدراسة التجربتين أكاديميا، بهدف تعظيم الاستفادة منها، مع توفير مختلف أوجه الدعم التي يحتاجها ذلك، وتصميم حزم تعليمية قادرة على منافسة المسارات غير الرسمية، لتفكيك أطروحاتهم.

وفي هذا السياق أثنى الكاتب على «المؤشر العالمي للفتوى»، الذي أطلقته دار الإفتاء المصرية عام 2020م، ورأى أنه يتسم بقدرته على تحليل الفتاوى ونطاقاتها الجغرافية ومصادرها وأحكامها لتسهيل استخراج المؤشرات والإحصاءات التي تعين على دراسة كل الجوانب المتعلقة بالفتوى، إلا أنه لاحظ أن المؤشر لم يتناول التحليل النطاقي الجزئي في البيئات المحلية لدولة بعينها، وإن كان فعل ذلك بصورة عامة عبر الدول.

الكتاب دراسة مهمة، بذل فيها الكاتب جهداً كبيراً، وعالج زاوية من الزوايا التي تفرد بها الباحث، وكان له فيها السبق والتميز على المتخصصين في هذا المجال.