وظائف أوائل الثانوية العامة بعد تخرجهم.. «قيراط حظ ولا فدان شطارة»

كتب: هيا حسن وآية مليجى ومحمد أحمد

وظائف أوائل الثانوية العامة بعد تخرجهم.. «قيراط حظ ولا فدان شطارة»

وظائف أوائل الثانوية العامة بعد تخرجهم.. «قيراط حظ ولا فدان شطارة»

«أنا الأولى على الثانوية العامة، مية وواحد فى المية، وجاية اشتغل عندكم سكرتيرة»، تنطلق ضحكاتنا بشدة كلما رأينا هذا المشهد الكوميدى من فيلم «الثلاثة يشتغلونها»، شخصية «نجيبة» التى تفوقت على كل دفعتها وأصبحت الأولى على الجمهورية فى الثانوية العامة وحاولت أن تعمل فى إجازة الصيف لكنها رُفضت، ويتطابق بعد ذلك ما حدث مع نجيبة مع ما حدث لأوائل الثانوية العامة وأصحاب المجاميع العالية أيضاً، حيث إن نسبة كبيرة من المتفوقين اتجهوا نحو مجالات أخرى غير شهادتهم. «من يوم التكريم وتوزيع الشهادات ولا شفناهم تانى ولا حتى سؤال»، هذا ما قالته «نور الهدى أمين»، الأولى على مستوى جمهورية مصر العربية فى الثانوية العامة عام 1994 بمجموع 94٫5%، حيث إنها دخلت القسم الأدبى فى الثانوية العامة، وكان هدفها المذاكرة باجتهاد والحصول على درجات عالية حتى تعمل فى مجال الترجمة قسم اللغة الإنجليزية.
«نور» مثل أعلى لابنتها
وبعد عام كامل من السهر والتعب والمذاكرة حصلت على المركز الأول على شعبة الأدبى بالثانوية العامة، ولم يكن رد فعل وزارة التربية والتعليم قوياً إلا وقت تكريم أوائل الجمهورية: «مش بيتابعونا بعد التكريم ولا بيقدّرونا كأوائل بالشكل الكافى»، حيث ينتهى دورهم بعد توزيع شهادات التقدير فى حفل التخرج. بالإضافة إلى أن الأوائل وقتئذ تلقوا وعوداً من الوزارة بعمل رابطة لأوائل الثانوية العامة كل عام: «علشان نتعرف على بعض ويساعدونا فى فرص العمل وخلافه»، ولكن بعد تخرجها من كلية الألسن قسم لغة إنجليزية، وهذا بناء على رغبتها فى العمل بهذا المجال، حاولت العمل فى مجال الترجمة بمبنى الإذاعة والتليفزيون، حيث اجتازت كل الامتحانات التى تؤهلها للعمل، ولم تنسق وراء الرشاوى وغيرها، فالرشوة والواسطة هما الحائل فى كل مكان ذهبت إليه. ذهبت بعد ذلك للعمل فى مجال التدريس وعملت مُدرسة لغة إنجليزية، حيث قالت: «هى دى المهنة اللى قدرت أشتغل فيها بدون رشوة، وحبيتها بعد كده، علشان لما بتعب فيها بلاقى مقابل»، غير أنها تضيف حافزاً ودافعاً معنوياً لتلاميذها عندما يعرفون أنها من أوائل الثانوية العامة. لم يختلف ما عانته «نور» عمن فى نفس مكانها، حصل أشقاؤها على أكثر من 98% حينما كانو فى الثانوية العامة، والتحقت إحداهن بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وحاولت كثيراً الحصول على فرصة فى الخارجية والبنوك ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل.[FirstQuote] أما عن الثانية فالتحقت بكلية الإعلام، وحاولت كثيراً العمل بالصحف والمجلات، ولكنها لم تحصل سوى على فترة التدريب فقط، ومن ضمن أربعة أشقاء قدرت فتاة واحدة منهم على أن تعمل فى مجالها بعدما تخرجت فى كلية الطب دون اللجوء إلى رشوة أو واسطة. نصحت نور الهدى ابنتها بـأنها «تذاكر علشان نفسها» حتى تصبح من أوائل الثانوية العامة مثل والدتها، على الرغم من أنه لا يوجد أى تقدير من الدولة تجاه المتفوقين، حيث وصفت الأوائل بـ«ناس عاديين جداً وممكن أى طالب يطلع من الأوائل». ومن أوائل الثانوية العامة، عمرو السيد الذى كان أيضاً من أوائل كليته، وكان الطالب المثالى طوال مراحله الدراسية، وكان قائد الهلال الأحمر المصرى، خريج دفعة 2000، ولم يكتف بكل هذا، بل أجاد أربع لغات مختلفة، ورغم كل ذلك قابل صعوبات كثيرة حتى يحصل على وظيفة تليق به وبطموحه، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل فقرر السفر إلى إحدى دول الخليج.
شهادة نور الهدى وتكريم «التعليم» لها
يعول عمرو السيد أسرة مكونة من زوجة وطفلين، ولم يجد أمامه سوى اختيارين، إما أن يتفرغ للبحث عن وظيفة بشهادته التى لن يجدها غالباً، أو البحث عن أى مصدر رزق حتى وإن كان بسيطاً، وبالفعل وجد فرصة عمل «ديليفرى» فى أحد المطاعم الشهيرة، وعانى كثيراً من معاملات المديرين هناك. وبعد فترة تعرض إلى حادث كبير بالموتوسيكل وأصبح لديه إعاقة فى قدمه بعد إجراء أربع عمليات فيها، أجلسته الواقعة فى المنزل لمدة طويلة حتى زادت حالته الاقتصادية سوءاً، واستسلم بعدها تماماً للظروف وعاد إلى مصر. وعندما عاد إلى مصر كان شغله الشاغل هو إيجاد فرصة عمل، والتى لم توفرها له الدولة كمتفوق دراسياً، فعمل سائقاً فى شركة وأمين مخازن فى مصنع خشب وعامل نظافة فى مطعم وطباخاً فى مطعم آخر. لكنه لم ينسَ حلمه فى استكمال الماجستير والدكتوراه، حيث أتيحت له فرصة فى التقديم مرة أخرى فى الماجستير وبعدها حصل تعيين فى مديرية الشباب والرياضة فى الجيزة، ولكنه قام بعمل تظلم لأن «كل أصدقائى قدموا فى الوزارات وتم تعيينهم بمرتبات أعلى، وفى آخر مرحلة للتعيين وهى الكشف الطبى طلعت طبعاً غير لائق بسبب الإعاقة اللى عندى». «لفيت الدنيا كلها بسبب الموضوع ده ومالقيتش نتيجة» حتى تعرف على مسئول فى أحد المكاتب الحكومية وعرض عليه مشكلته، ونصحه بأن يحول جواب الالتماس من المديرية إلى الكلية، «ودلوقتى أنا منتظر التعيين الرسمى رغم إنى خريج 2000 ويا عالم المرتب هيكفينى ولا لأ». كان رؤوف محمود من ضمن أوائل الثانوية العامة عام 2007، حيث إنه التحق بكلية الطب جامعة عين شمس، ولم ير أيضاً دور الدولة إلا وقت تكريم الطلاب، بالإضافة إلى المعاناة التى واجهها فى التعيين، فالرشوة والواسطة تغزو كل المجالات، خاصة مجال الطب: «ولاد الدكاترة لهم أولوية فى التعيين فى المستشفيات الحكومية والخاصة». واستكمل قائلاً: «بدأت بتعيين فى مستشفى عين شمس التخصصى فى الإدارة الطبية، وبعدين سافرت أمريكا علشان أحسن الـ«سى فى» بتاعى وأدرس شوية هناك لأن الدراسة فى أمريكا أفيد بكتير من مصر»، وبعدما عاد إلى مصر حصل على فرصة فى أحد المستشفيات الخاصة الكبيرة فتشبث بها بالإضافة إلى الوظيفة الحكومية، ولكن لم تفده تلك الوظيفة الحكومية بشىء، لأن المرتب قليل جداً ولم يتعلم شيئاً يزيده خبرة. بعد حصوله على الثانوية العامة كأحد أوائلها، دخل محمد صلاح كلية التجارة جامعة عين شمس بإرادته، وبعد دراسة وتفوق استمرا أربع سنوات فى الكلية، تخرج بتقدير كبير، ولكنه لم ير من الدولة أى تقدير على الإطلاق، ولا توفير فرص عمل.[SecondQuote] وقرر أن يبحث عن فرصة عمل فى أى مجال كمصدر رزق له وحتى يكوّن مستقبله المادى، ولم يجد فى البداية سوى مهنة «الديليفرى» فى إحدى الصيدليات فقبل بها واستمر بالعمل فيها لمدة 5 سنوات. وبعد ذلك درس اللغة الإنجليزية لأنه لم يجدها، وتعلم قراءة الروشتات باللغة الإنجليزية: «كنت بجيب كشكول وأكتب اسم الدوا بالعربى على اليمين وقصاده على الشمال بالإنجليزى وحفظت كل أسماء الأدوية». ومع الوقت فهم محمد صلاح المهنة جيداً حتى إنه كان يعلم طلاب كلية صيدلة ويدربهم على تقديم الأدوية وقراءة الروشتات، وبالرغم من تفوقه فى تلك المهنة فإنه ناقم عليها لأنه يريد أن يعمل بشهادته وفى مجاله. وفى الإسكندرية تخرج سمير أحمد من ثانوية عامة وكان من الأوائل، حيث التحق بكلية العلوم رغم أنه كان حلم حياته أن يصبح طبيباً ويلتحق بكلية الطب، إلا أنه لم يدخلها بفارق 1% فقط. وبعد معاناته فى البحث عن عمل فى مجاله، أو توفير فرصة عمل من قبَل الدولة له، قرر أن يعمل على سيارة أجرة، ليست ملكه وإنما هو مجرد سائق عليها: «أنا رافض الوضع اللى أنا عايش فيه ده، أنا أقصى طموحى إنى أشترى عربية تكون ملك ليا وعلشان كده بيطلع عينى علشان أجمع فلوس تجيب تمنها، عمرى 28 سنة ومن المتفوقين، ورغم كل ده مش عارف أعيش عيشة كويسة».