النسب المعرفي لأحمد منصور

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

ظهر الإرهابي الهارب أحمد منصور في إحدى الصور وأمامه كتاب «مشروع تمكين الأمة الإسلامية، والكتاب يقارب الـ1000 صفحة، ومؤلفه حسن أحمد الدقي، وهو إخواني وإماراتي الجنسية، ومن المحرضين على مصر والإمارات، وكتابه هذا -الذي يمثل منهج أحمد منصور- يؤكد أنّ هذه الأفكار تقف وراءها أدبيات جماعة الإخوان، فالقارئ للفكرة الأم التي يدور حولها ويؤسّس لها الكتاب، هي فكرة حسن البنا، مع اختلاف في العبارات والصياغات، فضلا عن أنّ الكتاب اعتمد في غالب مراجعه الحديثة على رموز الإخوان.

فكرة التمكين التي كوَّنت عقل المتطرف أحمد منصور، وحركته للتحريض من خلال كتاب حسن الدقي، تمثل عصبا جوهريا لمنهج جماعة الإخوان، وسائر التيارات التي خرجت منها، بل ترى جماعة الإخوان أنّ أهدافها لن تتحقق إلا بالتمكين للجماعة وأفرادها، وقد كتب محمد الصلابي -وهو من أبرز دعاة الإخوان- كتاباً عن التمكين عنوانه «فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم»، قال فيه: «إن التمكين لدين الله هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل لأجل الإسلام».

كما أنّ الإخواني منير الغضبان امتلأ كتابه «الفهم الحركي للسيرة النبوية» بهذا المعنى، ثم جاء الكتاب الذي استقى منه أحمد منصور أفكاره.

وجذر ذلك كلام البنا عن التمكين في «رسائل البنا»، وكلام سيد قطب عن التمكين في «في ظلال القرآن»، ويجمع بين الاستدلال الخاطئ والفهم المنحرف لقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ﴾، و(وكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الْأَرْض).

الكتاب الذي ظهر به «منصور» يقترح تأسيس حزب باسم «حزب التمكين المصري»، ويجعل شعاره «وكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الْأَرْض»، ويجعل أول مبادئ الحزب: تحرير الأمة من الوكلاء والعملاء والمشاريع الجغرافية، ثم الاحتكام إلى شريعة الإسلام، ليقوم هو وجماعته بالحكم، كما يتصور.

وجاء في مقدمة الكتاب: «لا يَلِيقُ بأُمَّةِ الإسلامِ، إلا أنْ تَتَطلَّعَ وتَستَجيبَ ِلوَعدِ اللهِ القَويِّ العَزيز، بِالعَوْدَةِ إلى التَّمكيْنِ والاستخلافِ، الَّذي ارتضاهُ عز وجل لَها: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ﴾، فالاستخلاف في الأرض، والتمكين السياسي، مقدمة لاستكمال مُتطلبات العُبوديَّة لله، وتحليل وتفكيك الفجوة، التي تحول بين الأمة وبين تمكينها، من خلال الوقوف على أخطر النوازل، المهيمنة على ساحات الأمة المختلفة، واستجلاء مؤشراتها ومعطياتها».

ويدعو الكتاب المصريين للدفاع عن أنفسهم، وسلوك كل الطرق التي تؤدي إلى رفع ما سماه الانقلاب، وتفكيك الجيش المصري، بحجة جمع الأمة الواحدة ومصيرها الواحد ولم شملها، وتكامل أدائها واتصال دوائر نهضتها، وتحررها من الطغيان المحلي والعالمي، وضرورة أن تتكامل الثورات العربية.

ويدعو الكتاب إلى اندلاع معركة حاسمة بين المسلمين والمسيحيين، وأن على المفكرين في الأمة المسلمة وضع المعركة في سياق أوزانها التي تؤشر إلى ما يمكن تسميته بمعادلة «المركز والأطراف»، حيث تشكل المنطقة العربية بمساجدها الثلاثة المقدسة، مركز الصراع، وأنّ انتصار الأمة المسلمة على مشاريع تداعي الأمم، مرهون بدخول جميع أبنائها في إدارة الصراع الناشب، كل في دائرته وساحته، ضمن مشروع شامل يمثل الأمة كلها.

إن الأمر لا يتعلق بمجرد وجود كتاب إمام متطرف في صورة منشورة، لكنه نموذج واحد يمكنك من خلاله أن تتجاوز أحمد منصور، وكيف أنّه كان تطبيقا عمليا لما في الكتاب من أفكار وتوجيهات، لتقف على المنبع والجذر الذي نهضت على أساسه المنظومة الفكرية لهؤلاء، ولتعرف النسب والعمود المعرفي الذى انبثقت منه أفعال وأفكار وتصورات أحمد منصور وإخوانه.