في رحاب الأولياء (1): «الحامدية الشاذلية».. لك البشرى بحبنا

سعيد حجازي

سعيد حجازي

كاتب صحفي

إن لله عبادًا اختصهم بالبشارة في الدنيا والآخرة؛ أولياء الله، أهل البصيرة والصلاح ، يخلصون لربهم ويبتغون فضله ورضوانه، يعبدونه لذاته عبادة خالصة غايتهم فيها رضا رب العالمين، فلا يشركون به شيئًا، يقترن ذكرهم بالاستقامة والتقوى لدينهم، والورع والزهد، أدوا فرائض رب الأرباب، فتركوا محارمه، ووقفوا عند حدوده، عُرفوا بالحق وتأييده، وإنكار الباطل واجتنابه، يباهى الله بهم ملائكته فى السماء، ويكرمهم بالدرجات العلى، فقال تعالى عنهم: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ** الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ** لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».

المتأمل لقوائم عظماء الأولياء في العصور الأولى، يجد أن القاسم المشترك بينهم، هو الزهد وإتباع نهج التصوف، دربٌ المحبين، حيث متعة العشق الإلهي، والعبادة الخالصة والإرتقاء في سلم الروحانية، هناك السكون والطمأنينة، بهجة الذكر ومتعة العبادة والأنس بالمديح النبوي، كل ذرةٍ في وجدانك تسبح بحمد الله وتقدس له، في رحاب التصوف يعناق قلبك الخلود، تفني عمرك في هذا الحب، وتجعله نصب أعينك لا تبرحه، فلا تريد سوى وجه الله ومحبته ورضاه، هناك تجد أنك قد أدركت الحقيقة.

وفي عصرنا الحديث، نقف علي عتبات المجددين لفكر التصوف، فلا تخلوا ذكرى؛ إلا بوجودهم، فهم «طوق النجاة»، حيث العلم والورع، وخدمة الدين هو منهجهم القائم على كتاب الله وسنته، فأنشأوا طرقًا صوفية لنشر صحيح الدين وعبادة الله تعالى، من هؤلاء مولانا العارف بالله الإمام المؤسس لطريقة الحامدية الشاذلية ورائدها سيدي سلامه الراضي قطب عصره، سليل آل بيت النبوة، صاحب النسب الرفيع. المطلع على مسيرة مؤسس «الحامدية الشاذلية» من مصادرها التاريخية الموثقة، يتحير فى انخراطه المبكر فى طريق التصوف واجتماعه بكثير من أهل الولاية والعرفان فى عصره، مَتِّع عقله وأشغل قلبه بكتاب الله، حفظه في سن التاسعة من عمره.

لم يكد يغادر عامه الـ16 حتى كان فى موقع الشيخ المُربى ومؤسس لطريقة صوفية، لقن مريده أبيات المحبة، أذاقهم من عُذب مباني العرفان والتحقيق ما لا يجد الناظر إلا في الأسفار مسطورًا، بنيان طريقته الكتاب والسُنة، أحيا روح مريدينه على نهج الصوفية والسنن الحميدة، ومدارج السالكين حيث معرفة الحق، فكان مولانا شديد الورع معروف بزهده وتقواه لله تعالى في علاه، كامل الأداب جليل القدر كثير التواضع شديد الحياء ذو هيبة ومكانة، كريم النفس سخي الكف كثير الذكر دائم الفكر شديد الخشية.

للإمام سلامه الراضى العديد من الكرامات، أعظمها كان الاستقامة، كل تلك الفترة الطويلة من رحيله ما زال يُذكر بين الناس بالخير، فألسنة الخلق أقلام الحق والناس شهداء الله فى أرضه، لا يزال الناس يتحدثون عن صلاحه.

على نهجه أكمل خلفاؤه من بعده، رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم، أوصاهم سيد الطريقة على إتباع الصلاح، فجاءت وصيته لمن يخلفه بالحفاظ على الطريقة، قائلاً: «فإنى ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت، فكن على ذلك حريصاً وكل ما فاتك بعد ذلك فهو هين ولا تلقى له بالاً ولا تقم له وزناً وإنى لأتوسم فيك ذلك وأشم منك رائحة الصدق فلك البشرى بحبنا وعليك بالثبات على مبدئك والله يتولى هداك بمنه وكرمه.. آمين».

ومن تلك السطور، داوم الخلفاء علي النهج، حملوا هذا الميراث العريض وكانوا على قدر الأمانة، ساروا على هدي الوسطية السمحة، كان من بعده أربعة خلفاء، أولهم الإمام إبراهيم سلامه الراضي، ثم الإمام حامد سلامه الراضي، وثالثهم الإمام إبراهيم حامد سلامه الراضي، واليوم يمسك بالزمام ويحمل الراية سائرًا بالركب نحو طريق الصلاح والفلاح مولانا العارف بالله سيدي الإمام الحسين حامد سلامه الراضي، حافظًأ لتراث الطريقة، مجددًا لنهجها، حتى أصبح لها اليوم شأن كبير ومريدون فى بلاد كثيرة.

تتميز «الحامدية الشاذلية» بالتصوف المعتدل بعيدًا عن الشطحات، أساسها الاشتغال بالصلاة والذكر والتفكير في الحقائق الإيمانية، قائمين علي ثلاثية التصوف الشهيرة «التخلي ثم التحلي ثم التجلي»، يتبع مريديهم نهج المحبة للإنسانية، حيث فكرة قبول الآخر والتعايش والتسامح مع المخالفين ونفي أي شعور بالتفوقه، ينتهجون نهج مولانا سيدي أبو الحسن الشاذلي، القائم على أن الطريق الصوفي كله مضمرٌ في المحبة.

وفي ليلته الكبرى اليوم حيث أحباب مولانا سلامه الراضي، قاصدي الولي التقي صاحب الكرامات، نحتفي بذكراه العطرة، هنا ليلته الكبيرة، نقف على عتباته، بمشيخته وسجادته، حيث تتزين بالورود والأنوار والزينات، لنتذكر طيب منهجه وصلاح طريقته، فهم حقًا طريق المحبة.