السينما والقانون.. المراهنات الرياضية
انشغل المجتمع المصري مؤخرا بموضوع المراهنات الرياضية، حيث أكد اللواء محمود الرشيدى، مساعد وزير الداخلية الأسبق لأمن المعلومات، أنّ أربعة ملايين ونصف المليون مواطن مصري كانوا موجودين على مواقع المراهنات الإلكترونية خلال سنة 2023، وأنّ إجمالي ما تم صرفه منهم خلال سنة واحدة قد بلغ مليارا ومئتي مليون دولار.
ورغم عدم وجود وسيلة رسمية للتحقق من مدى صحة هذه الأرقام، فإنّ انتشار شبكة الإنترنت قد أدى إلى انتشار المراهنات الرياضية على نطاق واسع في أوساط الشباب.
وقد سبق للاعب الدولي المعتزل أحمد حسام ميدو أن ذكر في فيديو موجود على شبكة الإنترنت أنّه وجد مع ابنه ألفي جنيه زيادة على مصروفه الشهري. وبسؤاله عن سبب هذه الزيادة، أجابه بأنّ المبلغ ناتج عن المراهنة على المباريات.
كذلك، وفي منتصف شهر أكتوبر 2024، كشفت وزارة الداخلية المصرية عن ضبط تشكيل عصابي كبير تخصص في سحب أموال المواطنين عبر التطبيقات الإلكترونية ومواقع المراهنات.
وخلال النصف الثاني من شهر نوفمبر 2024، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر ضجة كبيرة بعد انتشار إعلان لإحدى شركات المراهنات الكبرى، يروج لها لاعب المنتخب المصري السابق محمد زيدان، حيث سارع المتحدث الرسمي باسم وزارة الشباب والرياضة إلى نفي كل صلة للوزارة بالشركة، نافيا منح أي ترخيص لها بالعمل داخل البلاد.
إن موضوع المراهنات الرياضية قديم متجدد، وربما يغفل معظم الشعب المصري أن المراهنات كان مرخصا بها في مصر، حيث يعود تاريخ تنظيمها إلى بداية القرن العشرين. ولعل القارئ العزيز قد شاهد فيلم «موعد غرام»، وهو فيلم درامي يعود تاريخ عرضه لأول مرة إلى الخامس من مارس سنة 1956م، وهو من بطولة فاتن حمامة وعبدالحليم حافظ وعماد حمدي وزهرة العلا ورشدي أباظة، ومن تأليف وإخراج هنري بركات.
وتدور الأحداث في هذا الفيلم حول لقاء يحدث صدفة بين الصحفية نوال (فاتن حمامة) وسمير (عبدالحليم حافظ)، الشاب المستهتر ذي العلاقات المتعددة، وتنشأ علاقة حب بين الاثنين، غير أن تلك العلاقة تنتهي عندما تكتشف نوال أنها مريضة وتقرر الابتعاد عن سمير.
وقد تم تصوير أحد مشاهد هذا الفيلم، ومدته دقيقة وأربع ثوانٍ في نادي سبورتنج، وتحديدا في مضمار سباقات الخيول، حيث يوجد العديد من المشاهدين في مدرجات المضمار، وهم يشاهدون أحد السباقات، ويبدو عبدالحليم حافظ وصديقه يتابعان باهتمام بالغ السباق، حيث يبدو جليا أن نتيجة السباق تهمهما كثيرا نظرا لقيامهما بالمراهنة على فوز أحد الخيول. وأثناء متابعة السباق بنظارة مكبرة، وعندما رأى عبدالحليم حافظ حبيبته في أسفل المقصورة التي يتابعون من خلالها السباق، يأخذ عبدالحليم حافظ النظارة من صديقه ليتأكد من أنّ الفتاة التي رآها بعينه المجردة هي حبيبته نوال.
توضيحا وبيانا لوجود هذا المشهد في الفيلم، يجدر بنا الإشارة إلى القانون رقم 10 لسنة 1922 المنشور في 6 أبريل 1922 بشأن المراهنة على سباق الخيل ورمي الحمام وغيرهما من أنواع الألعاب وأعمال الرياضة، ويحمل هذا القانون توقيع فؤاد الأول، ملك مصر، وطبقا للمادة الرابعة من هذا القانون «يجوز لجمعيات سباق الخيل الموجودة الآن وللجمعيات والأفراد الذين يقومون بتنظيم ألعاب أو أعمال رياضة إجراء الرهان المتبادل أو غيره من أنواع الرهان وذلك بمقتضى إذن خاص وبحسب الشروط المبينة بعد».
ووفقا للمادة الخامسة من القانون ذاته «يمنح الإذن الخاص المنوه عنه بالمادة السابقة بقرار من وزير الداخلية وله الحرية في أن يعطي هذا الإذن أو أن يرفضه، كما له أن يجعله قاصرا على الرهان المتبادل أو أن يحدد مدته».
وقد خضع هذا القانون للتعديل أكثر من مرة، وذلك بموجب القانون رقم 135 لسنة 1947 المنشور فى 28 يوليو 1947 بشأن تعديل القانون رقم 10 لسنة 1922 الخاص بالمراهنة على سباق الخيل ورمي الحمام وغيرهما من أنواع الألعاب وأعمال الرياضة، ويحمل هذا القانون توقيع فاروق الأول، ملك مصر.
فى الرابع عشر من أغسطس عام 1973، صدر القانون رقم 93 لسنة 1973 بنظام اليانصيب، وتحدد المادة الأولى من هذا القانون المراد باليانصيب، بنصها على أن «يقصد باليانصيب كل عمل يعرض على الجمهور تحت أية تسمية كانت لغرض خيري أو تجاري أو لأي غرض آخر، وتخصص له بعض الجوائز المالية أو العينية التي يكون الحصول عليها موكولا للحظ دون سواه».
وبناء على هذا التحديد، ووفقا للمادة الثانية من القانون ذاته «تختص وزارة الشؤون الاجتماعية بالترخيص في أعمال اليانصيب أيا كان نوعه أو الغرض منه وفقا للشروط والأوضاع والإجراءات التي يصدر بها قرار من وزير الشؤون الاجتماعية وذلك فيما عدا أعمال اليانصيب التي يمنح حق الترخيص فيها لجهات معينة بمقتضى قوانين خاصة، على أنه في جميع الأحوال يجب تمثيل وزارة الشؤون الاجتماعية في عمليات السحب».
وطبقا للمادة الثالثة من ذات القانون «يكون من حق صندوق إعانة الجمعيات والمؤسسات الخاصة والاتحادات المنشأة بالقانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة إصدار أوراق اليانصيب وفقا للقواعد الواردة بالمادة 2 من هذا القانون وتدخل حصيلة هذا اليانصيب ضمن موارد الصندوق».
القانون سالف الذكر ليس هو أول قانون لتنظيم أعمال اليانصيب في مصر، حيث سبقه القانون رقم 10 لسنة 1905 بشأن أعمال اليانصيب.
وبالاطلاع على المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 93 لسنة 1973، نجدها تشير إلى أنّ اليانصيب أصبح موردا مهما لتمويل الخزانة العامة وعلى الأخص تمويل مشروعات البر ما اقتضى إحكام الإشراف على جهة إصداره ومراقبة القائمين على بيع وتوزيع أوراقه.
على حد علمنا، فإنّ القوانين سالفة الذكر لم تتعرض للإلغاء، وما زالت تشكل جزءا من المنظومة القانونية المصرية.
ومع ذلك، فإنّ الرأي الشرعي حول مدى مشروعية المراهنات بوجه عام، والمراهنات الرياضية على وجه الخصوص، يبقى حاكما للمسألة، ومانعا من تقبل المجتمع المصري لها.