هل ينجح «ترامب» في غزة وأوكرانيا؟!
فور إعلان فوزه الكاسح على منافسته كامالا هاريس في انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل ثلاثة أشهر، فتح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بوابة منصة إطلاق صواريخه النارية العنترية، التي تطاير شررها في أرجاء المعمورة مُنصبا نفسه شرطي العالم، الذي يعرف جيدا قواعد اللعبة السياسية، ويمتلك أدواتها ومفاتيح حل الأزمات المستعصية والقدرة على إخماد الحروب المستعرة في أي مكان.. طوال الأشهر الثلاثة الفائتة اختار ترامب منتجع مارالاجو الهادئ المقام على مساحة 20 فدانا في بالم بيتش بولاية فلوريدا مقرا لعقد اجتماعاته ووضع سياسات ولايته الجديدة واختيار كبار مساعديه وتشكيل الحكومة قبل الانتقال رسميا إلى البيت الأبيض لتسلم الحكم رسميا يوم الثلاثاء القادم الموافق العشرين من يناير.
وكعادته كشّر ترامب عن أنيابه وأظهر العين الحمراء للجميع، ملوحا بالعصى الغليظة، حيث طال تهديده ووعيده دولا كثيرة.. لم يخف انحيازه لإسرائيل وهدّد بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم إذا لم يعد الرهائن الإسرائيليون المحتجزون لدى حماس قبل دخوله البيت الأبيض.. وأعاد تحذيره لحماس بأن تتوصل إلى اتفاق مع الإسرائيليين وقال: إذا لم يتم ذلك، سيكون هناك الكثير من المشكلات، الكثير من المشكلات كما لم يروا من قبل.. ثم أرسل مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف إلى منطقة الشرق الأوسط لمتابعة إنهاء المفاوضات قبل أن يكون رئيسا، فتحرّكت المياه الراكدة بفعل فاعل هو نتنياهو الذي ظل يُعرقل المفاوضات ووقف إطلاق النار شهورا طويلة وكأنه ينتظر أن تكون موافقته هديته الأولى لترامب قبل دخوله البيت الأبيض.
تصريح ترامب صاحب فكرة «صفقة القرن»، التي تحولت إلى «صفعة القرن» بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم أعجب نتنياهو واعتبره طوق النجاة له مما ينتظره بسبب فشله في التعامل مع قضية الأسرى والعدوان على غزة والإبادة الجماعية.. وفجأة تحركت المياه الراكدة، وتم التوافق مبدئيا على النقاط الخلافية، ووافق نتنياهو ووافقت حماس على هدنة وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى والمحتجزين، ليخرج علينا ترامب بالأمس بتصريح استعراض القوة، ويقول بكل ثقة: أعتقد أنّ الاتفاق بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار في قطاع غزة سوف يكتمل في غضون ساعات بحلول نهاية هذا الأسبوع.. لقد تم التوصل إلى مصافحة، وهم الآن بصدد إنهاء الاتفاق، حيث كان يجب أن يتم ذلك.
ترامب وعد أيضا بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بعد أيام قليلة من دخوله البيت الأبيض، وصرح منذ ساعات قليلة بأنّه يعتزم عقد لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سريعا جدا لإنهاء الحرب، لكنه لم يُحدّد موعدا للاجتماع الذي سيكون الأول بين رئيسي البلدين منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2020 وعند سؤاله عن استراتيجية لإنهاء الحرب، قال: ثمة استراتيجية واحدة فقط والقرار بيد بوتين، ولا أتصور أنّه سعيد للغاية بالطريقة التي سارت بها الأمور، لأنها لم تكن جيدة بالنسبة له أيضا.. كنت أود فعل هذا في وقت أقرب.. لكن يجب أن أتسلم الرئاسة لإنجاز بعض الأمور.. وفورا ردّ عليه الناطق باسم الكرملين، مؤكدا استعداد بوتين للقاء ترامب دون أي شروط مسبقة!
لكن أكثر تصريحات ترامب غرابة وإثارة إعلانه الرغبة في ضم جرينلاند التي أرسل ابنه في زيارة استكشافية لها، وكذلك قناة بنما.. ليس ذلك فحسب، يبدو أن أجواء منتجع مارالاجو الهادئة جعلته يتمادى في الأحلام المستحيلة، ليُفكر في ضم كندا لتكون الولاية رقم 51.. تفكير شديد الغرابة والعنجهية بأن يضم دولة كبيرة مجاورة عضوا في الأمم المتحدة، مساحتها قرابة 10 ملايين كيلومتر مربع وعدد سكانها يزيد على 41 مليونا.. أيضا تهديداته الاقتصادية للصين والمكسيك بفرض ضرائب ورسوم جمركية عالية عليهما.. السؤال الأهم: هل تستفيق دول العالم العربي المرتجفة، والتي تخشى من نسيم السياسة قبل عواصفها؟ هل يدركون الحقيقة -وإن كان متأخرا- بأن الحكومات الغربية كاذبة باحترافية؟ هل يتفقون ولو مرة واحدة على كلمة سواء قبل فوات الأوان؟ فجحيم ترامب لن يكون أسوأ من الجحيم الذي حدث في غزة ولبنان والضفة وسوريا، أضف إلى ذلك ما يحدث في اليمن والعراق والسودان وليبيا.. فالشرق الأوسط كله في جحيم حقيقي لا يمكن تصور ما هو أسوأ منه.
أمام ترامب فرصة ذهبية لإطفاء الجحيم إذا فكر بشكل محايد وليس وفق السردية الإسرائيلية الصهيونية، وخلاف ذلك فإن الأمور لن تمضي إلا إلى الأسوأ.