«القاعدة» والكمون الاستراتيجي في سوريا

ماهر فرغلى

ماهر فرغلى

كاتب صحفي

منذ سقطت دمشق في يد الفصائل السورية، لم يظهر تنظيم القاعدة على المستوى الإعلامي سوى في بيان أطلقته القيادة العامة للتنظيم عبر مؤسسة السحاب، هنأت فيه الشعب السوري بالانتصار، لكن هذا لا ينفي وجوده وكمونه.

يوجد «القاعدة» في سوريا عبر تنظيمين رئيسيين هما «حرّاس الدين» و«أنصار الإسلام»، ففي 5 من ديسمبر 2017 انشقت مجموعة عن جبهة تحرير الشام باسم «جيش البادية»، وظهرت مجموعة أخرى باسم «جيش الملاحم»، وفي 27 من فبراير 2018 أعلن قادة من الصفوف الأولى للقاعدة تأسيس «تنظيم حراس الدين» بقيادة أبوالهمام السوري. 

أصبح للتنظيم مجموعات أخرى أهمها «جيش الساحل» و«كتيبة الغرباء» و«سرايا الساحل» و«سرية عبدالرحمن بن عوف» و«كتيبة البتار» و«سريتا الغوطة ودوما» وغيرها، وهو ما شكل تهديدا لخطط أبومحمد الجولاني، بعد أن أعلن الظواهري دعمه لهذه التنظيمات.

وقد شكل حرّاس الدين في بداية عام 2018 غرفة باسم (وحرّض المؤمنين) ضمت الفصائل التالية: «جيش الملاحم»، و«جيش الساحل»، و«جيش البادية»، و«سرية كابل»، و«جند الشريعة»، إضافة إلى بقايا «جند الأقصى» و«أنصار التوحيد». 

ولما انسحبت «أنصار التوحيد» بحجة أنّهم يقاتلون مجتمعين مع فصائل ترفع رايات وطنية، تم تشكيل غرفة أخرى باسم (فاثبتوا) ضمت باقي الفصائل، لكنها جوبهت بحرب من جبهة تحرير الشام (القاعدة سابقا) التي فكّكت الغرفة واعتقلت أغلب قياداتها، ومنهم مسجونون حتى الآن: أبوعبدالرحمن المكي، وأبوحمزة الدرعاوي، وأبويحيى الجزائري، وأبوعمر، وأبوذر المصري وبعضهم عضو في مجلس شورى «القاعدة»، وأبوأحمد الليبي، وأبوحسين التركي، وعبدالله القطري، وأبوبصير الليبي، وأبوعبدالله السوري (نجل أبوفراس السوري الناطق الرسمي باسم القاعدة سابقا).

بعد تشكيل «غرفة عمليات فاثبتوا»، اعتبرت هيئة تحرير الشام الخطوة تهديدا لها، لأن الغرفة ضمت «لواء المقاتلين الأنصار» وهي مجموعة مسلحة انشقت عن الهيئة ويقودها أبومالك التلي، إضافة إلى أبي صلاح الأوزبكي القائد السابق لـ«كتيبة التوحيد والجهاد» والذي تقول الهيئة إنّه كان موضوعا على ذمة حكم قضائي لم يمتثل له. فقامت باعتقال كل من الأوزبكي والتلي، لتثير بذلك حفيظة تنظيم حراس الدين.

في خطوة بدت غير محسوبة، قام الحراس في المقابل باعتقال أعضاء في الهيئة من أجل الضغط عليها لإطلاق سراح القادة المعتقلين، فتطور الموقف سريعا إلى تصعيد عسكري طوقت فيه الهيئة مقرات وحواجز التنظيم في مناطق عدة. 

أدت المعارك إلى هزيمة الحرّاس والاستسلام وتسليم مقراته، وأصدرت هيئة تحرير الشام بيانا حظرت بموجبه أي نشاط عسكري خارج غرفة عمليات «الفتح المبين» التي تقودها أو استحداث أي كيان ذي طابع عسكري.

تقول صفحة (مزمجر الشام) المقربة من تنظيم القاعدة، على موقع التواصل (تليجرام)، إنّه خلال مشاركة التنظيم في معارك ريف حماة ربيع عام 2019 مع فصائل محسوبة على الجيش الحر لمنع قوات النظام من التقدم نحو إدلب، عبر كل من أبويحيى الجزائري وأبوذر المصري، وهما عضوان في «المجلس الشرعي» لحراس الدين، عن رفضهما انخراط التنظيم في المعارك مع فصائل قادمة من منطقة «درع الفرات»، لأن ذلك في اعتقادهما قتال «تحت رايات وطنية» لا تعتبر تطبيق الشريعة غايتها.

مع ازدياد حدة النقد الموجّه إلى قيادة الحراس من قبل أبي يحيى الجزائري وأبي ذر المصري وأتباعهما، قرر أبوالهمام السوري فصل الرجلين عن التنظيم، لكنهما تمردا على قرار الفصل واعتبراه من صلاحيات «القضاء» حصرا، فوقع انشقاق كبير أضعف الحرّاس فيما بعد.

تضيف الصفحة أنّه بالتوازي مع التشكيلات السابقة كانت هناك جماعة أخرى ترفع راية القاعدة وهي أنصار الإسلام. هذه جماعة سلفية جهادية (كردية) تأسست شمال العراق مطلع الألفية الثالثة بعد اندماج عدة تنظيمات إسلامية فيما بينها («التوحيد»، «حماس»، «الإصلاح»)، ودخلت إلى سوريا أواخر عام 2012، وُجدت في الساحل وريف حلب.

بدأ «القاعدة» خلال العامين الأخيرين، وتحديدا «حرّاس الدين» التنظيم الأكثر قوة، في انتهاج سياسة عدم تبني عمليات عسكرية في دمشق وأماكن أخرى، مثل الرقة، لأسباب سياسية وأمنية. 

لكنه يوجد جغرافيا في مناطق حماة وريفها الشمالي وتحديدا طيبة الإمام، وسراقب وسرمين بريف إدلب. 

توجد مقرات التنظيم بشكل أساسي في مواقع متقدمة على خطوط التماس مع قوات النظام، وتحديدا في ريف حماة الشمالي، وجبل التركمان بريف اللاذقية، وريف حلب الجنوبي، بالإضافة إلى جبل باريشا وجبل الزاوية بريف إدلب الغربي.

يقود التنظيم مجموعات عبارة عن وحدات مستقلة صغيرة تساعد بعضها البعض في حالة القتال، وتتألف من فرق صغيرة يقودها قادة محليون يتميزون بالالتزام الأيديولوجي القوي والتدريب العسكري المتفوق.

رغم إعلان هيئة تحرير الشام انفصالها عن القاعدة، إلا أنها تحرص على عدم القضاء النهائي على التنظيمين، لأسباب مهمة، وهي: الاستعانة بهما في قتال قوات سوريا الديمقراطية حال اندلعت المعارك، الحفاظ على وحدة الهيئة ذاتها، إذ إن أصول أغلب قياداتها من التنظيم، ومن المرجّح أن تحدث انشقاقات كبيرة ومشكلات بينية بسبب عدم احتواء التنظيم العالمي.

من المؤكد أنّ موضع التنظيم في معادلة الحالة السورية الحالية بعد السيطرة على السلطة سيستمر بكل تأكيد، لعدة أسباب، أهمها أنّه سيتم استخدامه في أي معركة مقبلة، وبعد الانتهاء منها سيتم استخدامه كذريعة من قبل هيئة تحرير الشام لتأكيد حربها للإرهاب والانفتاح على الغرب، والتطبيع مع بقية العالم العربي ودول أخرى، وكحقل تجارب مفيد لأسلحة جديدة أثناء اصطياد القيادات.