كيف نطور ماركتنا الوطنية؟
- أمن المنوفية
- إدارة البحث الجنائى
- الشبهة الجنائية
- الصعق بالكهرباء
- توقيع الكشف الطبى
- جثة هامدة
- جراحات اليوم الواحد
- أسلاك
- أشمون
- أقوال
- أمن المنوفية
- إدارة البحث الجنائى
- الشبهة الجنائية
- الصعق بالكهرباء
- توقيع الكشف الطبى
- جثة هامدة
- جراحات اليوم الواحد
- أسلاك
- أشمون
- أقوال
إذا كان لمفاهيم مثل: «الماكينة الألمانية»، أو «الدقة السويسرية»، أو «الجاذبية الفرنسية»، أو «الأناقة الإيطالية»، أو «التكنولوجيا اليابانية»، أو «الديمقراطية البريطانية»، أو «القوة الأمريكية» معنى، فما المفهوم السائد عن مصر الآن؟
إن تلك المفاهيم موجودة بكل تأكيد، وهي نتاج فعل وجهد وعمل استمر عقودا طويلة، وبسببها باتت دول كثيرة تحظى بصورة وطنية، وبمكانة أيضا، وهو أمر انعكس في تعزيز قواها الناعمة، كما كانت له مفاعيل سياسية واستراتيجية واقتصادية بطبيعة الحال.
وكما نرى حولنا، فإن دولا عربية شقيقة اجتهدت في طريق بناء ماركتها الوطنية (Nation Brand) المبتغاة، أو سمتها الجديد، وسخرت لذلك موارد، وبذلت جهودا ثم راحت تجني العوائد.
فالوطن، والأمة، والدولة، والشخصية الوطنية، مفاهيم لها معنى، ولأن لها معنى، فإنّ الآخرين يكونون انطباعات ذهنية وأفكارا حيالها، لكن تلك الانطباعات والأفكار لا تبقى في الأذهان فقط، فهي تخرج كثيرا للعلن، وهنا سيظهر مفهوم آخر: السمعة.
وفي مرحلة لاحقة، ستكون تلك الانطباعات والأفكار هي كل ما يعرفه الآخرون عن الوطن، والأمة، والدولة، والشخصية الوطنية، أو معظمه، وسيصبح من الصعب تغيير تلك الصورة، إلا من خلال جهود مُنظمة ومُطردة، ويُعد هذا أحد الأسباب المهمة التي تجعل العديد من الدول مُهتمة بدرجة كبيرة بصورتها الذهنية، أي انطباعات الآخرين عنها، أي سمعتها، أي ماركتها.
والماركة مفهوم أتى من «علم التسويق»، إذا جاز أن نُسميه علما، لكن علماء متخصصين ينظرون إلى العلاقة بين ماركة الوطن/ الأمة/ المواطن الفرد/ الدولة، وبين موقعها الرمزي في تراتبية الأمم، وقدرتها على الإقناع والجذب، وتحسين مقدراتها الملموسة، بوصف تلك العلاقة مساهمة خالصة من العلوم الاجتماعية في صناعة الدبلوماسية العامة.
إن تلك الأوصاف الواردة في مطلع هذا المقال موجودة، وفعالة، كما أنها نتاج فعل مؤسسي، وهي قادرة على رسم حدود رمزية لهذه الدول في الأذهان، ولتلك الحدود تأثير أكبر وأوضح من حدود الجغرافيا.
تكون الماركة في هذا الصدد هوية حصرية فريدة، تُمنح للدولة/ الوطن/ المواطن الفرد/ الأمة، أو هي أهم الانطباعات التي ستتولد في الأذهان عند ذكر اسم الدولة أو تبيان هوية مواطنها، لكنها ستتيح لتلك الدولة أيضا موقعا ما في تراتبية تجتهد الأذهان في إرسائها عادة، وقد يكون هذا الموقع متقدما، فيعزز نفوذ الدولة ومكانة مواطنها، أو يكون مترديا، فيخسف بها وبه، ويُغري بها وبه، ويقلل فرصهما معا.
يُعد الخطاب الرسمي ركنا جوهريا في صناعة الماركة، فما نقوله عن أنفسنا يصبح شاهدا علينا، ثم يتحول دافعا أو قيدا بحسب الحال، لذلك يتدرب المتحدثون الرسميون في الدول الرشيدة، ليتم التأكد من أنهم يعززون الماركة الوطنية، ولا يوفرون السبل للنيل منها.
ستتشكل الماركة الوطنية، التي هي أيضا صورة الوطن والمواطن، من محصلة من الأفعال والأقوال والممارسات الشائعة والمعهودة، لذلك فإن صناعة الماركة الوطنية أضحت علما واستحقاقا وطنيا، لأنها ستيسر سبل السياسة، وستحسن العلاقات الدولية والإقليمية وتزيد مردودها، وستنعش السياحة، وستروج المنتجات الوطنية، وستجذب الاستثمارات، وستعزز قدرة المواطنين على نيل الوظائف خارج الحدود، في عالم يموج بتحولات اقتصادية ضخمة، ويبحث عن موظفين يعكسون قدرات مهنية مُنافسة بموازاة تقاليد وقيم وثقافة إيجابية.
ولتلبية هذا الاستحقاق، ومواجهة هذا التحدي، يُرسى الباحثون المتخصصون في مجال صناعة الماركة الوطنية خمس وظائف تنهض بها الدولة ومؤسساتها ومجتمعها المدني الحي، لتحقيق هذا الهدف، أولها يتعلق بضرورة وجود فكرة مركزية متفق عليها عن الماركة التي نريد أن نختص بها، وكلما كانت هذه الفكرة عملية وقابلة للتحقق وقادرة على أن تعكس أفضل ما فينا وأن تمنحنا الوضع الفريد والمكانة الرمزية اللائقة، كانت فكرة صائبة.
وثانيها أن نتوقف عن فعل وقول ما يعوق انطلاق تلك الماركة وترسخها كسمعة مُعترف بها، سيستلزم ذلك سياسات وقوانين يجرى تطبيقها بإصرار على الأرض، واستراتيجية اتصالية وطنية يتعلم من خلالها الجسم السياسي والمؤسسي ما يجب أن يقوله وما لا يجب أن يُقال.
أما ثالث تلك العناصر فيتصل بضرورة وجود هيكل تنظيمي مؤسسي لبناء الماركة وتعزيزها وإدامتها، وهو هيكل ستكون معظم أدواره تنسيقية، ورابع تلك العناصر يتعلق بضرورة إخضاع الأداء المتصل ببناء الماركة وتطويرها للتقييم المستمر، عبر المسوح والمؤشرات العلمية وأدوات قياس الأثر.
ثم يأتي آخر تلك العناصر ليتجاوب مع المتغيرات الاتصالية الكونية، وهو العنصر المختص بإدارة الهوية الرقمية للدولة، انطلاقا من تحول مراكز التأثير الحيوية في أنشطة الصور الذهنية إلى العالم الرقمي باطراد.
بعض دول المنطقة الشقيقة نفذت شيئا من هذا، وأطلقت ماركة، أو كرستها، أو طورتها بنجاح مشهود، أما نحن فلم نفعل ذلك، وربما فعلنا العكس، لكن الوقت لم يمضِ، والفرصة ما زالت سانحة.
لقد زاد الحديث في مصر بكثرة في الفترات الأخيرة عن مفهوم «القوة الناعمة»، ورغم الالتباس الذي يظهر لدى البعض في مقاربة هذا المفهوم وتقصي أبعاده، فإنّ الاهتمام به يعني أننا منشغلون بزيادة قدراتنا في هذا المجال، وهو أمر يستلزم أن نبني توافقا حول الماركة التي نبتغيها لبلدنا، وأن نشرع في التأسيس لتكريسها، عبر الخطوات العلمية والسياسات المدروسة.