«بين كورونا والفيروس الجديد».. هل العالم مستعد؟

عبير فتحي

عبير فتحي

كاتب صحفي

أثارت الصين مجددا قلق العالم بعد تسجيل ارتفاع ملحوظ في حالات الإصابة بفيروس تنفسي جديد في المقاطعات الشمالية.

وتزامن ذلك مع انتشار تقارير وفيديوهات غير مؤكدة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى اكتظاظ المستشفيات في البلاد وفرض تدابير مراقبة مشددة.

هذا التصعيد دفع الكثيرون إلى استرجاع ذكريات مأساوية مرتبطة بجائحة كورونا، التي بدأت أيضا في الصين وأحدثت شللا عالميا، تاركة خلفها أكثر من سبعة ملايين حالة وفاة في مختلف أنحاء العالم.

لقد وقفت البشرية بكل تطورها العلمي والتكنولوجي عاجزة أمام فيروس كورونا، وهو كائن دقيق لا يُرى بالعين المجردة.

هذا الفيروس أعاد تعريف حدود قدرة الإنسان على التعامل مع الأوبئة، وشهدنا سباقا محموما بين كبرى الشركات العالمية لإنتاج لقاحات قادرة على احتواء الكارثة.

ومع ذلك، ظلت هذه اللقاحات رهينة للتجارب السريرية لفترات طويلة، ما ترك الملايين يواجهون الموت وهم في انتظار الأمل.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل نحن أمام تكرار لجائحة كورونا، أم أن هذه المخاوف مبالغ فيها؟

وما هو الفيروس الجديد؟

الفيروس الذي أثار هذا القلق يُعرف باسم HMPV (الفيروس البشري المخلوى التنفسي)، وهو ليس جديدا كما قد يعتقد البعض.

تم اكتشافه لأول مرة عام 2001 في هولندا، ويُرجح أنه كان موجودا بين البشر منذ عقود. تتراوح أعراضه بين السعال، الحمى، احتقان الأنف، والتعب، مع فترة حضانة تتراوح بين 3 إلى 6 أيام.

على الرغم من ازدياد الحالات في الصين، يؤكد الخبراء أن الوضع الحالي لا يشبه بأي حال من الأحوال جائحة كورونا.

الفيروس معروف منذ سنوات، ومعظم الناس لديهم مناعة جزئية ضده نتيجة التعرض المسبق.

علاوة على ذلك، الأعراض غالبا ما تكون خفيفة، ولا توجد أدلة علمية تُشير إلى احتمالية تحوله إلى جائحة عالمية.

لماذا الصين؟

يرجح العلماء أن زيادة الحالات في الصين تعود إلى ضعف المناعة المكتسبة لدى السكان بعد سنوات من الإغلاق الصارم المرتبط بجائحة كورونا.

هذه الإجراءات قلّلت من تعرض السكان للفيروسات الموسمية، ما أثر على قدرتهم المناعية في مواجهة الأمراض التنفسية.

ولكن كيف التعامل مع الفيروس؟

لتقليل خطر الإصابة، يوصي الأطباء بالالتزام بالإجراءات الوقائية، وأبرزها غسل اليدين بانتظام بالماء والصابون، تجنب ملامسة الوجه بأيدٍ غير نظيفة، استخدام المناديل عند العطس أو السعال، والتخلص منها بشكل سليم، مع تجنب الاختلاط القريب مع المصابين بأعراض تنفسية.

تزامن انتشار الأخبار عن الفيروس مع تصاعد الأحداث العالمية، مثل الصراعات في غزة والسودان، والأوضاع في سوريا، ما أعطى مساحة أكبر لبعض الأصوات الإعلامية لتقديم الموضوع بشكل غير متوازن.

وبينما حاول البعض تهوين خطورة الفيروس، سعى آخرون إلى تضخيمه بهدف تحقيق المشاهدات أو ضمان الظهور الإعلامي.

للأسف، تساهم بعض الجهات في نشر الهلع بين الناس دون الاعتماد على حقائق علمية موثوقة، متجاهلة مسئوليتها الأخلاقية.

وهنا تظهر أهمية الوعي الإعلامي، حيث يجب على الجمهور الاعتماد على المصادر الموثوقة وعدم الانجرار خلف الشائعات أو الإثارة.

وفي النهاية، دائما ما تبقى كلمة لا يُراد من تسليط الضوء على الفيروس بث الخوف في النفوس، وإنما نشر التوعية الصحية وتشجيع الالتزام بالإجراءات الوقائية بعيدا عن المبالغات الإعلامية.

فالتوازن بين الاستعداد والحذر هو المفتاح لمواجهة أي تحدٍّ صحي جديد.