انتخاب عون وتأثيره على استقرار لبنان

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

عاش لبنان البلد المتمدن أزمات عديدة منذ سبعينات القرن الماضي عندما اشتعلت الحرب الأهلية واستمرت ما يقرب من 15 عاما.

آخر أزمات البلد الناعم بقاؤه لمدة تزيد على عامين بدون رئيس جمهورية، استمرت حالة الفراغ في لبنان بينما تعرض البلد إلى أزمات كبيرة مرتبطة بالأمن والاقتصاد وغيرها.

أخيرا انتخب البرلمان اللبناني رئيسا جديدا هو جوزيف عون عماد الجيش أو يوازي رتبة رئيس الأركان، شغل عون المنصب منذ عام 2017 وكان وقت تقاعده في ديسمبر الماضي ولكن البرلمان صدق على اقتراح بالمد له، ولم يمضي على ذلك شهر واحد وتم انتخابه رئيسا، حيث كان اسمه يتصدر قائمة المرشحين لمقعد الرئاسة. 

في قلب المنطقة العربية المضطربة، حيث تتقاطع التحديات الإقليمية والدولية مع الأزمات الداخلية، جاء اختيار الرئيس جوزيف عون ليكون الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية أملاً جديداً في استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان.

تولي العماد جوزيف عون رئاسة الجمهورية اللبنانية يمثل خطوة هامة في تاريخ لبنان المعاصر، ويأتي في وقت بالغ الحساسية حيث تعيش البلاد حالة من الانقسام السياسي والاقتصادي الحاد.

يواجه جوزيف عون تحديات كبرى في سبيل إرساء الاستقرار في لبنان، خصوصاً في ظل الانقسام الداخلي العميق بين القوى السياسية والطائفية.

ورغم ذلك، فإن انتخابه جاء في وقت كانت فيه البلاد بحاجة إلى قائد ذي خلفية عسكرية وقوة شخصية قادرة على فرض نوع من التوازن السياسي في مواجهة القوى المتباينة.

يعتبر الكثيرون أن وجود شخص مثل جوزيف عون، الذي يتمتع بخبرة طويلة في الجيش اللبناني، يساهم في تعزيز الأمن الداخلي، وهو ما يُعتبر عاملاً حاسماً في تحقيق الاستقرار في البلاد.

على الرغم من الانتقادات التي تواجه الطبقة السياسية في لبنان، فإن كثيراً من اللبنانيين رحبوا بفكرة انتخاب جوزيف عون رئيساً.

تأتي هذه الترحيبات نتيجة للمصداقية التي اكتسبها جوزيف عون من خلال قيادته للجيش اللبناني خلال فترات عصيبة.

يرى اللبنانيون في شخصيته القوية والواقعية قدرة على مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية، خاصة في ظل حالة الانهيار التي يمر بها البلد، كما أن تاريخه العسكري يجعل منه شخصية محايدة في الصراع الطائفي والسياسي.

من الناحية الإقليمية، حظي انتخاب جوزيف عون بترحيب واسع من الدول العربية، التي تأمل في استقرار لبنان كجزء من استقرار المنطقة.

الدول العربية  ترى في تولي عون للرئاسة خطوة إيجابية نحو إعادة توازن القوى السياسية في لبنان، مما يساعد على الحد من تأثير القوى الإقليمية.

من بين أبرز التحديات التي ستواجه رئاسة جوزيف عون التعامل مع الملف الأمني والوجود الإسرائيلي على الحدود الجنوبية للبنان.

لطالما كانت العلاقة بين لبنان وإسرائيل متوترة، والعديد من القوى الإقليمية والدولية تراقب عن كثب كيفية تعامل عون مع هذه القضية.

من المتوقع أن يبقى التوتر مع إسرائيل حاضراً، إذ أن لبنان، الذي يعتبر نفسه في حالة حرب مع إسرائيل، سيظل يواجه تهديدات أمنية مستمرة من جارتها الجنوبية.

السؤال الأكثر إثارة للجدل يتعلق بموقف جوزيف عون من حزب الله، الذي يُعتبر قوة سياسية وعسكرية مؤثرة في لبنان.

على الرغم من أن عون قد أعلن مراراً في مواقف سابقة عن احترامه للجيش اللبناني كقوة حامية للوطن، إلا أن تحدي حزب الله يمثل عقبة كبيرة أمام أي حكومة تسعى إلى استعادة سيادة الدولة اللبنانية بشكل كامل.

ورغم أن من غير المرجح أن يقوم جوزيف عون بتفكيك حزب الله، إلا أن استعادة القدرة على تقييد نفوذ الحزب في السياسة اللبنانية قد تكون ضمن أولوياته.

السؤال المحوري الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان جوزيف عون سيعمل على نزع سلاح حزب الله وإعادة تسليح الجيش اللبناني فقط.

في الواقع، يبدو أن هذه المهمة أكثر تعقيداً مما قد يتصور البعض، حزب الله هو جزء من التركيبة السياسية اللبنانية وله أذرع إقليمية ودولية تتجاوز حدود لبنان.

نزع أسلحته قد يواجه مقاومة شديدة من قبل الحزب وداعميه، وكذلك من قبل فئات لبنانية ترى في الحزب قوة مقاومة ضد إسرائيل.

لذلك، من المرجح أن يتبنى عون سياسة متوازنة، تتضمن العمل على تقليص نفوذ الحزب في السياسة دون التصعيد المباشر ضد قواته المسلحة.

عند النظر إلى ساحة لبنان السياسية الملتهبة، يبرز السؤال حول قدرة جوزيف عون على أن يكون فاعلاً في تحقيق التغيير. يرى البعض أن خلفيته العسكرية قد تمنحه القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة، إلا أن التوازن الطائفي والسياسي في لبنان يشكل عائقاً كبيراً أمام أي محاولة جادة للتغيير، التحالفات السياسية المعقدة ستؤثر بشكل مباشر على فعالية قراراته.

من جهة أخرى، يواجه عون تحديات داخلية كبيرة، إذ أن لبنان يحتوي على مزيج معقد من الأحزاب الطائفية التي لا يمكنها التنازل بسهولة عن مصالحها.

سيحتاج عون إلى بناء تحالفات قوية بين القوى السياسية المختلفة لضمان استقرار حكومته وتنفيذ سياساته.

التعاون مع هذه القوى سيكون ضرورياً لتحقيق أي نوع من الاستقرار، ولكن ذلك لن يكون سهلاً في ظل الانقسامات الحادة.

المستقبل اللبناني في ظل رئاسة جوزيف عون يتأرجح بين الآمال والمخاوف.

فبينما يتطلع اللبنانيون إلى رؤية إعادة بناء دولتهم ومؤسساتهم، يظل الوضع السياسي والاقتصادي هشاً، مما يجعل أي تقدّم يعتمد على قدرة الرئيس على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية.

قد تكون فرصته في تحقيق النجاح كبيرة إذا استطاع التوفيق بين مختلف القوى السياسية وتوجيهها نحو مصلحة وطنية مشتركة.

رغم التحديات الكبيرة التي تواجهه، يعتبر انتخاب جوزيف عون فرصة مهمة للبنان.

سيكون عليه أن يسير في خط رفيع بين الحفاظ على السيادة الوطنية وتحقيق الاستقرار، مع الحفاظ على توازن القوى الطائفية والسياسية.

وفي النهاية، سيظل النجاح أو الفشل في يديه، في ظل واقع سياسي معقد وأزمة اقتصادية خانقة، فضلاً عن التحديات الإقليمية المستمرة.