ما الذي نخشاه مما جرى في سوريا؟

سطوري التالية هي رسالة مفتوحة، إلى زميل (أو زملاء).. اختلافنا في الرأي لا يُفسد للوطن قضية!

بداية؛ فلتأذن لي أيها الزميل المحترم، بمراجعة كتاباتك عن سوريا منذ سقوط نظامها المستبد في الثامن من ديسمبر الماضي، ألا تلمح أنها تبدو منحازة وغير مهنية في كثير من الأحيان؟

فالاحتفاء بسقوط الظلم وزوال دولة الطاغية، يختلف عن الحفاوة بديكتاتورية دينية تتشكل ملامحها بشكل قاطع في كل خطوة يتخذها الجولاني وجماعته، ومسألة الإحالة بأن كل خطوة قادمة ستكون اختبارا للنوايا هي تنويم ودغدغة لمشاعر شعب مسكين فرض عليه حكم «الأمر الواقع»، فأصبح عليه أن يختار بين الموت حرقا أو غرقا.

وليس من العدل والرحمة أن نستمر في خداعه باختراع سرديات تحدثنا عن حلاوة الغرق وجماله، عندما يتغنى بعض إعلامنا العربي ومعه حضرتك، بقدر وقيمة إرهابي مجرم يدعي التوبة أو يمارس علينا التقية، مستغلا جهل الشعوب بجرائم جماعات الإسلام السياسي وتاريخها الأسود.

أما عن مصر (يا زميلي) التي يتحرش بمواقفها القاصي والداني، فإنّ علاقتها بسوريا أو غيرها من دول المنطقة يحسمها قرار دولة بمؤسساتها العريقة، يمثلها رئيس منتخب، يقف خلفه شعب وجيش وشرطة، منحوه تفويضا بحكم البلاد، واختبروه سنوات عجافا، تحملوا معه الصعاب واجتازوا التحديات، ولا يزالون على ثقة في الله وفي أنفسهم بقدرات بلادهم التي تحيطها النيران من كل جانب، وهي في أمان بإذنه وأمره عز وجل.

وإذا كان «سقوط سوريا» في حجر جماعات الإسلام السياسي تم استقباله عند أشقاء عرب بالفرح والحفاوة، واستبشر بعضهم الخير من وراء الشرع وصحبته، فهذه رؤيتهم نحترمها، فكل حكم يبحث عن صالح شعوبه، وإن كنت ألمح في الاندفاع نحو دمشق الجديدة نوعا من التشفي والثأرية من نظام سابق كانت شوكته تؤلم خاصرة البعض.

مع العلم أنّ الأشقاء الكرام اختبروا شر جماعات الإسلام السياسي على بلادهم وتبرأوا منها وصنفوها إرهابية وطاردوها، وطردوها خارج حدودهم، لكنها الشيزوفرينيا العربية في أوج إبداعها الترفيهي.

وأخيرا أيها الزميل (الشاطر)، ما الذي نخشاه مما جرى في سوريا؟ دعني أُجِبك ببساطة، نخشى اختطاف البلد العربي الشقيق أسيرا لحكم جماعات وظيفية عميلة للغرب تنفذ أجندة المصالح الأمريكية في المنطقة، مقابل أن تسمح لهم بإعادة بلادهم إلى جاهلية رافضة للعصر وتطوراته، ثائرة على استقرار الشعوب ومناهضة لجميع أنماط التحديث والتطور، تختطف قلوب البسطاء من الشعوب بمخدر الدين، فيسهل عليها تجييشهم ودفعهم إلى حروبه، بحثا عن مجد يجنيه صاحب الحظوة الأمير «الشرع»، وكل من هم على شاكلته من القادرين على التآمر والفتك بخصومهم، ليختطفوا قمة المشهد لأنفسهم، ويجلسوا على العرش إلى الأبد، ولا عزاء للشعوب.

ما جرى في سوريا يهمنا ويخصنا جدا في مصر، فهي كانت ولا تزال جزءا من أمننا القومي، وقد شاركت خلال الأسابيع الأخيرة في ندوتين نظمتا للحديث عن سقوط نظام بشار وتحليل تداعيات استحواذ «هيئة تحرير الشام» على السلطة، كانت الأولى هي ندوة «المنتدى الاستراتيجي للفكر والحوار»، بالتعاون مع حزب الاتحاد، أما الثانية فكانت ندوة «حزب الإصلاح والنهضة».

وقد أكدت فيها: «أن أي مقارنة بين مصر وسوريا هي نوع من التدليس لا علاقة له بالواقع، فقد تجاوزنا ما تمر به سوريا بفضل ثورة 30 يونيو، ومصر اليوم منظومة سياسية ومجتمعية قادرة على مواجهة أي محاولات لإضعافها»، وأضفت «أنّ ما نعيشه ونلمسه في بلادنا هو نتاج عمل دؤوب للحفاظ على استقرار الدولة وسط منطقة مليئة بالصراعات».

وأشرت إلى أن «الغرب يتعامل مع الدول بناءً على مصالحه فقط، دون اعتبار لاستقرار تلك الدول أو شعوبها، وهو ما يتجلى في السياسات الغربية تجاه منطقة الشرق الأوسط».

وتحدثت عن تأثير ما يحدث في المنطقة على الأمن القومي المصري، مؤكدا أن مصر تواجه تحديات كبيرة بسبب الأوضاع المضطربة في الجوار، مشددا على أن العدو الأول لمصر هو إسرائيل التي تسعى دائما إلى تقييد مصر داخل حدودها لتمنعها من ممارسة دورها القيادي في المنطقة.

وأضفت أن «إسرائيل تهدف إلى أن تكون القوة المهيمنة على المنطقة، وتسعى لإضعاف الدور المصري الاستراتيجي بكل الوسائل الممكنة».

وتحدثت أخيرا عن «الدور الذي يلعبه الإعلام الغربي في زعزعة استقرار الدول من خلال نشر الأخبار المضللة وصناعة مشاهد تسعى إلى تفجير الأوضاع الداخلية وتدعمها جماعات الإسلام السياسي على الأرض، ليتكامل دورهما في تنفيذ أجندات خفية».