«ميلاد المسيح».. رسالة تسامح وبردا وسلاما على البشرية

«ميلاد المسيح».. رسالة تسامح وبردا وسلاما على البشرية
فى وقت كانت فيه فلسطين تغلى بالاضطرابات السياسية والاجتماعية، جاءت رسالة الميلاد لتزرع بذور السلام والمحبة فى عالم أنهكته الحروب، وشهدت الأراضى المقدسة وقت ميلاد المسيح حركات تمرد وثورة، مثل حركات الزيلوتس «الغيورين» والحسيديم «الأتقياء»، التى خاضت مواجهات عنيفة ضد الجنود الرومان، فى محاولة لتحرير الأرض من قبضة الإمبراطورية الرومانية.
ووسط هذا الواقع المشحون، وُلد المسيح برسالة السلام والمحبة للبشرية لتكون بمثابة ثورة ضد الصراعات، فلم تكن ثورته قائمة على السلاح والدم، بل على تغيير القلوب ونشر السلام، وأرسى دستوراً للحياة مع الله والابتعاد عن كل صراع وحرب، فبالمحبة والغفران يمكن تحقيق الوئام والسلام فى المجتمع.
فى مغارة بسيطة ومظلمة، حيث كان مذود للبقر، وضعت مريم العذراء مولودها، الطفل يسوع، لفّته بأقمشة بسيطة ووضعته فى المذود، حاضناً أولى لحظاته فى الحياة بين تواضع المغارة ودفء القش.
وقال الأنبا بيشوى، مطران دمياط الراحل، إن المسيح قد أراد بميلاده فى بيت لحم أن يُعلم البشر الاتضاع، وأن الكرامة الحقيقية تنبع من الداخل وليس من المظاهر الخارجية. وهتف ملاك الرب للرعاة بعد ميلاد المسيح قائلاً: «الْمَجْدُ للهِ فِى الأَعَالِى، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لو 2: 14)، ليكون ميلاد المسيح على الأرض سلاماً للبشر وفرحاً على مدار العصور، إذ يُعد عيد الميلاد هو دائماً ذكرى الفرح والمسرة للناس وسط عالم أنهكته الحروب والصراعات.
الأنبا باخوم: سعى لنشر العدل والخير فى كل مكان ورسالته المحبة والرجاء
من جانبه قال الأب هانى باخوم، النائب البطريركى لبطريرك الأقباط الكاثوليك، لـ«الوطن»، إن قصة ميلاد المسيح وحياته رسخت العديد من القيم مثل السلام والمحبة فى العالم، وهو ما ظهر عند ظهور ملاك الرب للرعاة وأعلن المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وللناس المسرة والفرح، لتلخص تلك الكلمات رسالة ميلاد المسيح من مجد وسلام وفرح.
وتابع «باخوم»: «نحتفل بميلاد السيد المسيح، ونستذكر جميعاً الرسالة السامية التى جاء بها للعالم، وهى رسالة المحبة والسلام والرجاء، هذا العيد فرصة عظيمة لتجديد القيم الإنسانية التى تجمعنا، ولتعزيز روح التسامح والتعايش بين الشعوب بمختلف معتقداتها وثقافاتها»، مشيراً إلى أن ميلاد المسيح هو تجسيد للسلام الإلهى الذى أراد الله أن يعم الأرض، قائلاً: «ففى هذه المناسبة المجيدة، لنتأمل فى معانى المحبة الحقيقية التى تتجاوز الاختلافات، وإلى السعى لنشر العدل والخير فى كل مكان».
ولفت «باخوم» إلى أن العالم اليوم، وسط ما يواجهه من تحديات وصراعات، يحتاج، أكثر من أى وقت مضى، إلى التكاتف والتعاون لبناء مستقبل مشرق يسوده السلام، داعياً لأن نكون جميعاً رسلاً للمحبة، متذكرين كلمات المسيح: «طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون».
ماركو الأمين: «يسوع» نادى بالتسامح والغفران
وقال ماركو الأمين، باحث فى التاريخ القبطى، لـ«الوطن»، إن المسيح وُلد فقيراً فى بيت لحم، وسط ظروف من الصراعات، عاش «يسوع» كأى مواطن من أبناء جلدته، شاركهم الحزن والفرح، كان يدفع حتى الجزية مثلهم، ورثى لحالهم، وكان همه الأول هو تغيير مجتمعه أولاً ثم الإنسانية جمعاء.
كان واقعياً جداً، لكنه كان ينادى بمُثل الغفران «إن غفرتم يُغفر لكم» معلناً أنه وعبر الغفران والمحبة «أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم» تنتصر الشعوب بالخير ويسود الوئام والسلام ويرعى الأسد والحمل معاً دون اقتتال.
المسيح قال للحاكم الرومانى: «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَىَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ»
وأضاف «الأمين»، كان وعى المسيح ثورياً فى ظل مجتمع ينادى بردّ الإساءة بالإساءة، لينادى هو بالتسامح والغفران معطياً معنى جديداً للقوة، ولكن رغم ذلك لم يدعُ المسيح فى أى وقت للخنوع، بل على العكس كان لقوته الذاتية أثر، مما جعل أعداءه وهم مدججون بالأسلحة والعصى يسقطون من أمام وجهه بمجرد كلمة، وطالب بحقه، وكان قوياً ولم يتنازل عن دوره وتعليمه حتى وهو أمام الحاكم الرومانى، إذ أعلنها صراحة: «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَىَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ»، فقد كان مناضلاً وثورياً حتى وهو على الصليب، طالباً المغفرة لصالبيه، إذ إنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، بهذه الكلمات، أعلن انتصار المحبة على الكراهية، والغفران على الانتقام.
وتابع: رغم قسوة الاحتلال وفقدان الاستقلال فى فلسطين وقت ميلاد المسيح، أطلق المسيح رسالته التى استهدفت تحرير الإنسان من الخطية من الخلال السلوك فى الحياة بالمحبة والسلام، عُرف المسيح بقوته الروحية التى ألهمت أتباعه، وأثارت فى الوقت ذاته مخاوف خصومه..