غزة تحت النار: مأساة لا تنتهي والعالم يكتفي بالمشاهدة
غزة، تلك البقعة الصغيرة المحاصرة، تستمر في تقديم دروس عظيمة عن الصمود في وجه أعتى أشكال العدوان. لكن إلى متى ستظل وحدها في هذه المعركة؟ لا تزال غزة تعيش واحدة من أسوأ المآسي الإنسانية التي عرفها التاريخ، حيث يواجه أهلها كل أشكال القهر والدمار. بالأمس فقط، شهدنا تصعيدا جديدا عندما توغلت القوات الإسرائيلية في شمال القطاع، ما أجبر مئات الأسر على النزوح من منازلهم بحثا عن ملاذ آمن.. ولكن أين هو هذا الملاذ؟ فلا مكان في غزة يمكن اعتباره آمنا، فالقصف الإسرائيلي لا يفرق بين بيت ومستشفى، بين طفل أو شيخ.
القصف الإسرائيلي لم يكتفِ بتدمير المنازل والبنية التحتية فقط، بل امتد ليطال خيام النازحين والمرافق الطبية، ومن أشد المشاهد قسوة كان استهداف محيط مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، حيث احتمى العشرات من العائلات التي لا تملك أي مكان آخر تلجأ إليه، هذا القصف لم يترك لهم سوى خيار واحد هو البقاء تحت القصف أو الفرار نحو المجهول، تاركين خلفهم كل ما يملكون.
وسط هذه الفوضى، باتت أصوات الأطفال هي الأكثر إيلاما، كيف يمكن لطفل أن يستيقظ يوما ويجد أن البرد قد أخذ حياة أخيه الرضيع؟ وكيف يمكن لآخر أن يخلد للنوم وهو يعلم أن منزلهم قد لا يكون موجودا عند الصباح؟ مشاهد الأطفال الذين يبحثون بين الأنقاض عن لعبة أو قطعة خبز باتت الصورة اليومية لغزة، تلك الصورة التي لا تصل إلى العالم إلا نادرا.
الوضع الإنساني يزداد سوءا مع انعدام المياه والطعام والوقود، المستشفيات تكافح لتقديم الرعاية، رغم نقص الأدوية والإمدادات، ومع ذلك لا تزال إسرائيل تواصل عدوانها وكأنها تتحدى العالم بأسره. تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة أكدت أن هناك خططا لتوسيع العمليات العسكرية، بما فى ذلك احتمالية احتلال مدينة غزة بالكامل، وكأن الهدف النهائي هو محو غزة من الوجود.
المفارقة العجيبة تكمن في الصمت الدولي المخزي، أين العالم من مشهد أب يرفع جثة طفله الصغير الذي توفي من شدة البرد؟ أين الإنسانية من هذه المأساة المستمرة؟ لماذا يُسمح لإسرائيل بأن تمارس هذه الانتهاكات دون أي محاسبة؟
لقد أصبحت الحرب الإعلامية جزءا من هذه المعركة. وسائل الإعلام العالمية قلّلت تغطيتها لما يحدث في غزة، وتحاول إسرائيل بكل قوتها تحويل الأنظار إلى قضايا أخرى. حتى الأحداث في سوريا صارت أداةً تُستخدم لتشتيت الانتباه عن غزة، هذا التلاعب الإعلامي يجعل من مسئوليتنا، كأفراد ومجتمعات، أن نُسمع صوت غزة للعالم.
لكننا، كعرب ومسلمين، يجب ألا ننخدع بهذا. يجب أن تظل غزة في صدارة أولوياتنا، هذه ليست مجرد معركة فلسطينية، إنها معركة إنسانية وأخلاقية قبل أن تكون سياسية. علينا أن نعمل بكل قوة لوقف هذا العدوان.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى تحرك عاجل. غزة تحتاج إلى وقف إطلاق نار شامل وإلى إغاثة إنسانية عاجلة، نحتاج إلى حوار عربي فعّال وحوار مع القوى العالمية المؤثرة، لأن الصمت ليس خيارا، والتخاذل لن يغفره التاريخ.
وفي النهاية تبقى كلمة: غزة لن تُنسى، وغزة لن تنكسر، لكنها بحاجة إلى أن تكون قضيتنا الأولى، وإلى أن تكون صوتا عالميا يطالب بالعدالة، ويضع حدا لهذه المأساة المستمرة.