الدولة الوطنية وافتتاحية 2025

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

ندخل العام الجديد 2025 ونحن فى أقصى درجات الحذر والاحتراس. خطواتنا أقرب ما تكون إلى من يمشى على الحافة. بعضنا تخلى عن كلاسيكيات قرارات العام الجديد وسقف أمنياته الذى يناطح السماء. العقلاء يهبطون على أرض الواقع تباعاً. أقصى الأمنيات بات الحفاظ على حد أدنى من السلام والرفاه والتنمية على مستوى الكوكب. على مستوى الإقليم، يعلم كثيرون أن أكبر الأمنيات للملايين صار البقاء على قيد الحياة، أو البقاء فى الدار دون الحاجة إلى النزوح واللجوء.

هبوط سقف الأمنيات لا يعنى التخلى عن الأمل أو فقدان الرجاء بالضرورة. فى ظروف وتقلبات ومجريات كتلك التى يشهدها الشرق الأوسط، نقول إن سقف الأمنيات الذى قارب على الالتصاق بالأرض هو توجه واقعى.

الواقعية أحد أكبر وأهم مخرجات العام الماضى 2024، تدفعنا إلى إعادة ترتيب الأولويات، وإخضاع أدمغتنا وأفكارنا لعملية «صنفرة» جذرية. نحتاج إلى إزالة خلايا الجلد الميت بلغة خبراء التجميل، أو إزالة الشوائب والعيوب بلغة خبراء الدهانات.

مفترق الطرق الذى تقف عنده المنطقة لا يحتمل المزيد من التحليق فى سماء الأحلام، أو الإصرار على بناء قصور فى الرمال، أو انتظار المعجزات. إعادة ترتيب أولويات المصريين لا تعنى اليأس أو الخوف أو التخلى عن المسئوليات. تعنى نوبة صحيان، تعقبها قدرة على قراءة ما يجرى حولنا من منظور الواقع مهما كان مزعجاً، لا الخيال مهما كان مريحاً.

إرشادات السلامة على الطائرة تنص على أنه فى حالة حدوث انخفاض مفاجئ للضغط فى داخل الطائرة، يتعين على الركاب وضع أقنعة الأكسجين قبل مساعدة الآخرين، حتى لو كانوا أبناءك وذويك. هذه ليست أنانية، أو استئثاراً. إنها العقل والمنطق، فحين تفقد الوعى بسبب نقص الأكسجين، لن تستطيع إنقاذ أو مساعدة أحبابك والآخرين. ليست شهامة أو شجاعة أو نخوة أن تُقرّر مد يد العون للآخرين إلا لو كنت تقف على أرض ثابتة، وتمتلك من القدرة الجسدية والذهنية ما يتيح لك إنقاذ نفسك ومن حولك.

أكسجيننا فى هذه الحالة هو الدولة الوطنية. وقد بلغ الهزل والقبح والسفه بالبعض إلى اعتبار «الدولة الوطنية» والحفاظ عليها والتحذير مما يُدبّر ويُخطط من أجل إسقاطها، وهماً أو كذباً أو أمراً تافهاً. ولأن محترفى الصيد فى المياه العكرة كثيرون ومتربصون، فقد دأبوا على العمل على إفقاد ثقة المصريين فى أنفسهم، والتقليل من قيمة ومعنى الوطن، والسخرية من الحديث عن قيمة الدولة ومعنى أن تكون مواطناً، لا لاجئاً أو نازحاً أو مضطراً لأن تكون من المرتزقة أو فرداً فى ميليشيا مسلحة. يفعلون ذلك بينما ينعمون بالإقامة فى دولة وطنية ما شرقاً أو غرباً. ينتهجون نهج الطفيليات التى تعيش وتتغذى على غيرها من الكائنات.

بعض هذه الطفيليات المقيمة فى دول وطنية فى الخارج تكتفى بـ«البعبعة» و«الجعجعة» دون أن تؤثر كثيراً فينا. البعض الآخر ينمو ويتكاثر ويعمل على غزو أفكارنا ما يُعرّض بعضنا للإصابة بأمراضها الطفيلية.

هذه الطفيليات تفتئت على أوضاع اقتصادية صعبة، أو انتقادات لسياسات هنا أو قرارات هناك. الخروج من الأزمات الاقتصادية وحلول الأزمات السياسية وعلاج المشكلات المعيشية لا يكمن فى إلحاق الضرر بكيان الدولة، واللحاق بملايين الضحايا ممن سقطت دولهم الوطنية، وللأسف أن بعضهم أسهم فى إسقاط وطنه.

حمى الله مصر والمصريين، مع التأكيد على أن «عقولنا فى رؤوسنا نعرف خلاصنا»، وخلاصنا بالوعى والدولة المدنية والعلم والثقافة، مع العلم أن «ما أطال الجهاد عبر السوشيال ميديا عمر الأوطان، ولا قصر فى عمرها صنفرة الوعى وإزالة الشوائب مما علق به».

فى تلك الأثناء، وفى الساعات الأولى من 2025، فرض حادثا أو عمليتا (حسب ما ستسفر عنه التحقيقات) نيو أورلينز ولاس فيجاس نفسيهما على افتتاحية العام الجديد! فى نيو أورلينز، حيث دهس شخص المحتفلين برأس السنة وأطلق النار على آخرين، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة العشرات. تحدّث مكتب التحقيقات الفيدرالى عن اشتباه بأنه «عمل إرهابى جهادى». وقال الرئيس جو بايدن إن المشتبه به، الذى قتلته الشرطة فى موقع الهجوم، كان يتبنى أفكار داعش، وأنه كان يعلق علم التنظيم فى شاحنته.

وحتى كتابة هذه السطور، ما زال الغموض يحيط بانفجار شاحنة «سايبرتراك» التى تنتجها «تسلا»، والتى يمتلكها إيلون ماسك، الذى عيّنه «ترامب» رئيساً للجنة مهمتها خفض إنفاق الحكومة الفيدرالية، وذلك أمام فندق «ترامب»!

وسواء كان إرهابياً «داعشياً» أو انفجاراً تقنياً، فإن المركبتين، الأولى التى دهس قائدها المحتفلين وأطلق عليهم النار، والثانية التى انفجرت، مستأجرتان من الشركة نفسها.

على أى حال، ومع قُرب تبوؤ «ترامب» رسمياً منصب الرئاسة، وربطه بين الهجرة غير النظامية وحادث نيو أورلينز «الإرهابى» «الداعشى»، نحن موعودون بعام آخر ساخن كاشف للمصالح وكيف تتصالح، وكيف يتم تطويع الجماعات والتنظيمات والهيئات، حسب الحاجة، لمن أراد أن يرى بعينه لا بقلبه.