أهمية الحفاظ على منهج الأزهر

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

الأزهر الشريف بأركانه الثابتة مصنع لصناعة الهوية والحفاظ على الأوطان وحفظ التراث واللغة، وليست معالمه الثلاثة التي تميزه والتي هي: (أشعرية العقيدة ومذهبية الفقه وخلق التصوف)، ليست اختيارا شخصيا، ولا انحيازا فلسفيا، ولا ميلا عقائديا ولا أمرا مزاجيا لشخص ما، بل هي هوية مصر، وأمن قومي يجب الحفاظ عليه، وجزء أصيل من معركة مصر ضد جماعات التطرف والعنف والتخريب والتحريض والتكفير.

ولن يطفئ نار هذه الجماعات التي وصلت إلى 40 جماعة تظهر وتخفت وتموت وترجع، لكن أصول مناهجها الكبرى محل اتفاق فيما بينها، لن يطفئ نيران هذه التيارات الآن وفي محاضنها الأولى إلا مواصلة الجهد الكبير من عدة جهات، على رأسها المؤسسات الدينية.

وعندما نقول الأزهر فلا نتكلم عن شيء فضفاض بلا لون أو طعم أو سمات أو أركان أو معالم، وإنما نتكلم عن أركان ثلاثة موروثة منذ أكثر من ألف سنة، وهذه الأركان ليست اختيارا عشوائيا، بل مثَّلت الاحترام العميق لاختيار الأمة المحمدية، ومع استعراض الأطروحات الدينية المختلفة، اختار الأزهر الأطروحة الأكفأ والأضبط والأقرب إلى تحقيق مقاصد الشريعة ومراد القرآن وحفظ الأوطان، واختار غيره الأطروحة الأقرب إلى العنف والتكفير والاستعلاء والتحريض والتجهيل والتبديع والحماس.

اختار الأزهر «العقيدة الأشعرية» من بين المناهج المطروحة في باب الاعتقاد، لأنه المنهج الأكمل والأوفى خدمة ومناضلة له وإقامة الأدلة على أحقيته، واختار التصوف السني، لأنه الأفضل والأنجع في تزكية النفس وتربيتها وعلاج أمراض القلوب، وفي الفقه اختار المذاهب الأربعة - مع الفقه الواسع الرحيب- لأنها الأكثر إحكاما ولينا وانضباطا وتحريرا لأصول الاستنباط، فانتسب الأزهر إليها دون غيرها.

واختيار العالم أو الداعية أو المنتسب لمنهج الأزهر يظهر أثره فى عدة صور، منها: النظر إلى الأمة على أنها مرحومة، وليست مشركة وكافرة، وقبول الآخر، والتوثيق والتدقيق والتحري، ومراعاة مقاصد الشريعة، وتنزيل القرآن على مواضعه، ومخاطبة الناس بمحاسن الشرع، وتصوير الشرع بأبعاده الأخلاقية وشريعته الواسعة، وامتلاء خطابه بمعاني الربانية والرحمة واليسر، وامتلاء نفسيته بهداية الخلائق لا بالانتقام منهم، حتى عندما يقسو فإنّ من وراء قسوته نورا وهداية، وليس شهوة نفس ولا عصبية ضيقة، ويترتب على منهج الأزهر أنه لا يقدم خطابا استقطابيا مشوها متشددا تحريضيا حزبيا متشنجا عصبيا، منزوع الروح، تنفر منها الطباع.

المنهج الأزهري معناه التدريب على معرفة مراتب الأدلة النقلية والعقلية، واستخراج جهات الدلالة، ومعرفة الفرق بين القطعي والظني، وبين الفقه والفتوى، ومعرفة أفكار التيارات المنحرفة ومواجهتها، لنصل إلى حفظ الأنفس والعقول والأديان والأوطان والأموال والأعراض، وإدراك أنّ الرحمة هي سر الشريعة، وأنّ حقوق الإنسان والمرأة والطفل شعار الشريعة.

وهناك فارق -كما أشار أساتذتنا- بين منهج الأزهر المنضبط، وبين مقرراته الدراسية، وأنشطته التي يصيبها الخطأ والصواب، والضعف والقوة، فمنهج الأزهر هو الإطار الكلي الذي يضبط التفكير من الشطط، من خلال مقدمات ونتائج ومداخل معرفية، وهو أمر لا يقول عاقل بتغييره، بل إنّ وجوده حماية للأمن القومي، أما المقررات الدراسية فهي المواد التي يدرسها الطالب لتكون خادما للمنهج، وهذه هي التي يجب تغييرها واستبدالها والنقاش حولها وعدم التعصب لها، لتظل قادرة على توصيل المنهج للعقول، ولئلا تكون المقررات الدراسية فى وادٍ والمنهج في واد آخر، أو تكون المقررات الدراسية في وادٍ، وواقع الناس ومشكلاتهم في وادٍ آخر.