سمير فرج يكتب: التوعية بالحرب الجديدة في مصر

سمير فرج يكتب: التوعية بالحرب الجديدة في مصر
يمر عالمنا المعاصر حاليا بالعديد من المتغيرات في كافة أشكال الحياة، ومن أهمها المجال العسكري، حيث ظهر مؤخرا إلى الوجود ما يُعرف بالحرب بالوكالة Proxy Warfare، والتي تخدم خطط أمريكا في حرب أفغانستان بإخراج السوفييت من هناك، ونجحت بعد عشر سنوات، ولكن بعدها ظهر تنظيم القاعدة ليصبح أخطر تنظيم إرهابي في العصر الحديث، ثم جاءت فكرة الحروب الحديثة، حروب الجيل الرابع والخامس، التي أصبحت أهم سمات هذا العصر الحديث.
بمطالعة، سريعة، لإحدى محاضرات كلية الدفاع، التابعة لحلف الناتو، في بروكسل، نجدها تستهل القول بأنّه في حرب «الأيام الستة»، ويقصد بها حرب 5 يونيو 1967، تمكنت إسرائيل من هزيمة الجيش المصرى، واحتلال شبه جزيرة سيناء المصرية، بالكامل، حتى إن الرئيس المصري، حينها، جمال عبدالناصر، أعلن تنحيه عن رئاسة الدولة المصرية، يوم 9 يونيو، أي بعد أربعة أيام من الهزيمة، تحملاً لمسؤوليتها.
وطرحت مقدمة المحاضرة سؤالاً عما حدث بعد هزيمة الجيش المصري، وإعلان تنحي عبدالناصر.. «هل سقطت الدولة المصرية؟»، وجاء الجواب، «لا»، واستطردت المحاضرة بالبحث في أسباب صمود الدولة المصرية، رغم ما ألمّ بها من كرب، فوجد أنّ الإجابة تتلخص في أنّ الشعب المصري لم يسقط، بل صمد، وتحدى الهزيمة، وبرهن على صموده برفض تنحي رئيسه، عبدالناصر، عن الحكم، والإصرار على عودته للحكم، بل بتأييده الجيش المهزوم. وخلصت مقدمة تلك المحاضرة، ببروكسل، إلى أن الشعوب هي أسباب قوة الدول.
واليوم، يعيش عالمنا حروب الجيلين الرابع والخامس؛ فلم تعد الحروب كما عرفناها لتدمير الجيوش المعادية بدبابة ضد دبابة، أو مدفع ضد آخر، فرغم ثبات أهداف الحروب الساعية لتدمير الدول وإسقاطها، فإن وسائلها قد اختلفت، وصار اعتمادها على تدمير الشعوب، بعدما أثبتت التجارب أن هزيمة الدبابة والمدفع لا تجدي إن كانت وراءهما شعوب قوية. ومن هنا، جاءت مقدمة محاضرة كلية الدفاع، لحلف الناتو، في بروكسل، ببلجيكا، عن حروب الجيل الرابع والخامس.
صارت الدول، في عالمنا المعاصر، تضع خطط حروب الجيل الرابع معتمدة في هجومها على الشعوب، لإفقادهم الثقة في دولهم، وحكوماتهم، ورؤسائهم، وبث الفرقة بينهم وبين جيوشهم، مستخدمة في ذلك التكنولوجيا الحديثة، لتتطور لحروب الجيل الخامس، المعتمدة، بالأساس، على التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، تليها الوسائل التقليدية للإعلام. وتُعد «الكتائب الإلكترونية» واحدة من أشهر وسائل حروب الجيلين الرابع والخامس، وكما يوضح اسمها، فهي عبارة عن عدد كبير من الحسابات على السوشيال ميديا، التي يرتبط محتواها بأسماء المشاهير، والنجوم، مثل اللاعبين الرياضيين، والفنانين، أو الكيانات مثل النوادى الرياضية، أو الجماعات الدينية والعرقية، فتجذب عشرات الآلاف، وأحياناً، الملايين من المتابعين.
تتولى تلك الحسابات، بناء على خطة ممنهجة، بث مختلف الأكاذيب والشائعات، في اتجاهات محددة، مثل التفريق الدينى أو العرقي بين أبناء الدولة، وبدورها تتولى الكتائب الإلكترونية نشرها على نطاق واسع، لإثارة الشعوب، وصولا لهدف إسقاط الدول. والحقيقة أن تلك الأساليب صارت تُدرس، حالياً، كدورات وبرامج تدريبية، في الكثير من مراكز الدراسات الاستراتيجية بمختلف دول العالم، للتعرف على أساليب تنفيذ خطط مهاجمة شعوب الدول، وكيفية إيجاد الشائعات والأكاذيب، ونشرها، باستغلال الظروف السياسية أو الاقتصادية، التي يعانيها معظم دول العالم، لمختلف الأسباب.
ولعل أهم وسائل التصدي لتلك الحروب، هو انتهاج الدول للشفافية في عرض الحقائق، في ظل عالم منفتح، من المستحيل فيه إخفاء أي معلومة أو حدث، تنقل فيه وسائل السوشيال ميديا الأخبار المصورة لحظة وقوعها. أما أقوى وسائل التصدي للأكاذيب والشائعات فهي التوعية، التي اخترتها عنوانا لمقال اليوم، والتي من الضروري انتقاء أنسب وسائلها، بعدما عزفت الأجيال الجديدة، من الشباب، عن قراءة الصحف والمجلات، أو متابعة الإذاعة والتليفزيون، وصارت تعتمد اعتماداً كلياً على السوشيال ميديا، التي هي المصدر الرئيسي لنشر الأكاذيب والشائعات.
فرغم محاولة استخدام الدولة للسوشيال ميديا للرد على الأكاذيب والشائعات، فإن قدراتها لا تضاهي قوة الكتائب الإلكترونية المضادة، لذا صارت التوعية مهمة للغاية، على أن تتم في إطار ممنهج، يضمن الوصول للغاية. ولتبدأ التوعية، مثلاً، لطلاب المدارس، حتى ولو بكلمة مدتها 5 دقائق في طابور الصباح، والاستفادة من الاحتفالات والمناسبات القومية، لعقد لقاءات في المدارس، وفي الجامعات، التي تضم خيرة الشباب، كي لا نتركهم فريسة للسوشيال ميديا.
وإيماناً بمسؤوليتنا تجاه شبابنا، فقد انتهزت فرصة الاحتفال بمرور 51 عاماً على حرب أكتوبر المجيدة، وطفت بأكثر من 26 جامعة مصرية لمحاضرة طلابها عما يحيط بوطننا الغالي من تهديدات، وفاجأني إقبال الشباب على تلك المحاضرات، والانخراط في النقاش عما ورد بها من معلومات، وأثارتني تعليقاتهم، بعد انتهاء المحاضرات، بأنهم لم يعرفوا تلك المعلومات من قبل. وهو ما لا ألوم الشباب عليه، إن لم تتح له فرصة الوصول لتلك المعلومات، من خلال الوسائل والأدوات المناسبة لعصرهم. لذلك يجب توعية الشباب والأسر من خلال مراكز الشباب والأندية، ويجب ألا ننسى دور المنابر الدينية، وقد سعدت كثيراً بمبادرة السيد وزير الأوقاف لعقد الصالون الثقافي للدعاة في كل محافظات مصر، لتوعيتهم بمخاطر الأمن القومي للدولة، والذي شرفت بالمشاركة في أولى جلساته بمحافظة القاهرة.
ويجب عدم إغفال دور الجمعيات الأهلية، وقدرتها على التفاعل مع الأحداث، بتوعية أعضائها، خاصة من الشباب، وكذلك قصور الثقافة المنتشرة فى كل ربوع مصر، ويمكن الاستفادة منها كمنصة للتوعية الجذابة والمستنيرة، فى الفترة المقبلة، خاصة أن مصر تتعرض، حالياً، لحملات ضارية تستهدف استقرارها. ويبقى الرهان على شعب مصر، القادر، دائما، على التمييز بين الصدق والكذب، والخبر والشائعة، بعد ما خاضه من معارك وحملات ضارية، بدأت من حرب 1956، مرورا بهزيمة 1967، حتى تحقق النصر العظيم في أكتوبر 1973.
ومن هنا يظهر دور التوعية هذه الأيام للتصدي لهذه الحملات الضارية التي تتعرض لها مصر، خصوصا من الكتائب الإلكترونية من الإخوان المسلمين في الخارج، حيث تستغل المنصات الإعلامية في تركيا وإنجلترا التي تتيح لها مهاجمة مصر، وشن الحملات الدعائية من خلال هذه المنصات الإعلامية المعادية، حيث تتم من خلال خطة إعلامية ممنهجة، تهدف إلى إسقاط الدولة المصرية من خلال التأثير على القاعدة الشعبية فى مصر، ومن خلال اتباع أساليب حروب الجيل الرابع والخامس.
ومن هنا، تظهر حالياً حملات التوعية، وأعتقد أنه بنجاح مصر في كل حروبها السابقة، فإن الشعب المصري قادر في الفترة القادمة على التصدي لهذه الحملات من حروب الجيل الرابع، حتى تحقُّق النصر فى الأيام القادمة بالتوعية المتكاملة للشعب المصري العظيم.