تصريحات محافظ دمشق نهاية سنوات الوهم!

محمد صلاح

محمد صلاح

كاتب صحفي

لا أعرف لماذا مثلت تصريحات ماهر مروان، محافظ دمشق، في ما يسمى بالحكومة الانتقالية السورية للإذاعة الأمريكية صدمة للمؤيدين والداعمين لنموذج الدولة الوطنية.

صحيح أنّ التصريحات ربما تعدت مجال العقل والمنطق، ونسفت أي خيال يساعدنا في فك شفرات العلاقة المريبة بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، إلا أنّ الصدمة الحقيقية جراء هذه التصريحات يجب أن تكون من نصيب مناصري هذا التيار الذين قضوا سنوات طويلة من أعمارهم في وهم كبير!

بنت كافة تيارات الإسلام السياسي إمبراطوريتها الشعبية على كراهية إسرائيل، وكان تحرير القدس هو الفقرة الثابتة في كل المظاهرات، والدافع الرئيسي في كل الجرائم التي اقترفتها أيديهم، وكانت فقرة فلسطين والقدس تمثل ثلاثة أرباع رؤية هذه التيارات للمستقبل، وتبعهم في ذلك الملايين من الضحايا الذين دمروا حياتهم وأوطانهم وهدموا بلادهم من أجل الوصول لهذا الهدف.

فلا يجب أبدا أن نغفل تأثير هذه التصريحات على مؤيديهم، والذين لا يجدون ما يسترون به عورات هذه المواقف الموثقة بالصوت والصورة، لا سيما أنّ العدو التاريخي لهم لم يعد في القدس وحدها، بل أصبح على مسافة أمتار قليلة جنوب العاصمة دمشق!

ولا تنتهي سلبيات هذه التوجهات بتأثيرها على مؤيديهم فقط، بل تمتد لتشمل عددا من الملفات التي تعمل عليها الإدارة الجديدة في سوريا، ملفات مثل الاعتراف الدولي والإصلاح الاقتصادي وإعادة الإعمار والسلام مع الجيران، فهم يشبهون كثيرا الملاكم الذي بدأ المباراة مستسلما للكمات الخصم، ملاكم بمثل هذه المواصفات لا يمكن أن تتوقع انتصاره في نهاية الجولة!

ورغم الاتفاق الدولي والإقليمي الضمني على استقرار سوريا تحت سيطرة هذه الإدارة، غير أن هناك عددا من التحديات الجديرة بالاهتمام، والتي تبدأ بوصف «إدارة»، وهو وصف ينتقص كثيرا من قدرات وصلاحيات هذا الكيان غير المكتمل، والفارق ضخم بين مصطلحات عديدة مثل «دولة» و«نظام» و«إدارة» وإن بدت متشابهة في المعنى، فالاختلاف هنا يظهر في كل شيء يتعلق بسوريا بداية من الجغرافيا مرورا بالقدرات الشاملة والسيطرة على مقدرات وثروات الشعب السوري، وليس انتهاء بحفظ النظام وتطبيق القوانين والالتزام بها داخليا وخارجيا!

والأسباب التي أدت بسوريا للوصول إلى هذا المستوى من الاستسلام والضعف عديدة، أبرزها ماضي هذه القيادات القريب وتورطها في عدد من الجرائم ضد الإنسانية، ما تسبب في وضع عدد غير قليل من قادتها على قوائم الإرهاب في غالبية دول العالم، ما يعني أنّ هذه الإدارة تتفاوض من أجل نفسها أولا ثم تأتي سوريا في المرتبة الثانية.

وأهمها هو الشروط التي تشهدها عملية التفاوض من أجل الاعتراف بهذه الإدارة، وهى شروط تتعارض مع بعضها البعض نتيجة تعدد المفاوضين شرقا وغربا وتعارُض مصالحهم، ورغم كل التنازلات لم تحصل الإدارة الجديدة بعد على اعتراف واضح، بل اتفق الجميع على وضعها تحت الاختبار!

لكن التهديد الأبرز والذي يجب أن ينتبه له العالم أجمع هو طائفية تكوين هذه الإدارة، والتي تقوم بالكامل على مكون واحد فقط من مكونات الشعب السوري، فضلا عن تعاملها الخشن مع باقي المكونات والطوائف.

لم يعد كافيا أن تهنئهم أو تبارك أو حتى تستسلم لهم، فالموت والسحل والتنكيل ينتظرك في النهاية، فضلا عن التلكؤ في اتخاذ إجراءات جدية نحو عودة السوريين من الخارج، كل هذه الأمور تعطي انطباعا عاما بأنّ سوريا الجديدة في وضعية «اختطاف» وليس «انتصار» أو «تحرير»، فلا معنى للاستقرار والشرعية بدون حضور كل السوريين في الصورة، فالاستقرار والشرعية كلها منتجات محلية الصنع، لا يمكن أبدا استيرادها من الخارج!