لقد كان عاما مليئا بـ... «الآهات والصمت الرهيب»
بالهمس
نهمس في أذن بعضنا البعض «معاك دولار»، نهمس بسعر السوق ونضطر إليه، في حين أنّ سعر البنك عبقري، لكنه ليس موجودا في الوجود.
نهمس «الدولار بكام النهارده؟»، ليس بحثا عنه لكن بحثا عن آثاره، فارتفاعه سيرفع معه كل شيء حوله، حتى لو كان رغيف الفول الذي يسد رمق الملايين، وقبل أن تفكر في الربط بين الرغيف والدولار، يأتيك الرد مباغتا على لسان صاحب القِدرة «الفول بيستوي على نار والنار عايزة جاز، والجاز من البنزين، والبنزين أصله بترول، والبترول بييجي بالدولار».
وقبل أن ينتهي من حكايته ومبرره، يكون «الفول اتهضم» وسار صاحبه إلى يومه العادي، وفي الخلفية صوت صاحب القِدرة ما زال يصدح بالحدوتة المملة.. انتهى الهمس بإعلان صفقات من عيّنة «رأس الحكمة»، وتحديد سعر واحد للدولار، ووضع ضوابط محددة للحصول عليه.. فانتقلنا إلى مرحلة أخرى من التحديات.
بالنظرات
انظر حولك.. ما زال النداء يتردد بصوت عالٍ، وما زال لا يُسمع له صوت، العدد يزيد وبمتوالية مرعبة، من أين جاء كل هؤلاء، ومتى؟.
أيُعقل أن تكون الزيادة بهذه النسبة في دولة تزيد فيها نسبة التعليم والتطور التكنولوجي، الكل ينصح الكل، وينسى نفسه، ولا مانع من طفل الخطفة أو الغلطة، ثالث أو رابع لا يهم الحقيقة، الأهم أنه يأتي برزقه، جاء ومعه حكاية لطيفة نرويها في جلسات العائلة عن الحقن التي لا تفلح في منع الحمل كلياً، والحبوب التي تحتمل أن تصيب وتخيب، والكبسولات التي قد تؤدى إلى تشوهات الأجنة.. لينسف الطفل الخطيئة -نظرياً- كل وسائل تنظيم الأسرة، ويعيدنا إلى النقطة صفر «خدى بالك والأرزاق على الله».
بالآهات
عام من الآهات، مرة من وجع مباشر، ومرات من أوجاع تتداولها الشاشات، مع كل صورة وفيديو لشهداء غزة، الذين يمر عليهم النصف الأول من العام الثاني للحرب الدامية التي أشعلها ضدهم الاحتلال، قصف وقتل وحرق على رأس الساعة.
بدأ الاحتلال حرب الإبادة من الأصغر للأكبر، من الأضعف للأقوى، قضى على الأطفال والنساء والعجائز، وتفرغ للرجال.
يستمتع بكل وحشيته معهم، يعيد مشاهد من سجن أبوغريب، لكن بنسخة 2024، ويمنح عتاة الإجرام وعديمي القلوب «مادة خام» تصلح لتحويلها إلى كتاب مصور، هكذا يكون عنوانه «فنون الإبادة بلا هوادة»، ثم يدير ظهره لكل أفعاله، يرفع يديه عن ضحاياه ويمسح بساعده الدماء التي تناثرت على وجهه، يتنفس الصعداء باكيا وقد تساقط من فمه الدم، ليس نزفا لكنه أثر مص الدماء الذي مارسه، ينظر إلى الكاميرات مصطنعا: «كنت أنقذ شعبي»، ورغم أنّ زيفه واضح، إلا أنّه ما زال هناك من يصفق له.
ظلت الآهات من غزة وعلى غزة طيلة العام، قبل أن تنازعها آهات أخرى على لبنان الجميلة، التي بدت كعروس تحترق بفستان الزفاف، ثم تأتي الآهة الكبرى، على من سقطت بلا عودة، سوريا التي صارت عشيقة محرمة لاثنين، كلاهما نار ودمار، من حضن الإرهاب لحضن الاحتلال، لا ننتظر نحن سوى أطفال سفاح تخالط دماؤهم العربية الأصيلة دماء القتلة بوهم الدين، الذي وصموا به الإسلام واليهودية.. وفي الحقيقة كلا الحضنين وجه لـ«الصهيونية».
بالصمت الرهيب
نعم صمتنا.. لا أتحدث عن مصر، أتحدث عن العرب، عن الشرعية الدولية، عن صُناع القرار.
انقسم العالم ثلاثة، شطر يُقتل ويباد على مرأى ومسمع من الجميع، وشطر يمارس القتل فعلا أو صمتا وخنوعا، وشطر يقف على الجبهة متحفزا لحمايتها، لكنه في الوقت ذاته لا يترك أشقاءه، ينادي العقلاء الراشدين بأنّ العالم يحتاج للسلام، يتحرك في كل الاتجاهات، لكنها حركة محسوبة بألا ندفع الثمن، فلم يعد العالم مكانا نعوِّل فيه على الحقوق والعدالة، ابقَ مستيقظا منتبها لما يحدث حولك، ولا تترك نفسك لتؤكل كما أُكل الثور الأبيض.
بالستر
لولاه -لولا فضل الله- لما تجاوزنا ما كنا فيه، ديون وأعباء وحمول وهموم، يأس وضيق، شائعات وإحباطات على كل الأصعدة، لقد نجونا منها، وها نحن سائرون بفضله إلى عام جديد، معنا قدر يسير من حمل العام المنقضي، لكنه حتماً ليس بنفس الثقل ولا المشقة.
بالفخر
موجود في غير موضع، يكفي أنّنا في وسط كل هذا ما زلنا نحلم، ونحقق ما نحلم به، نسعى ونخطط ونحتفل يوما بعد يوم بإنجاز جديد، اقتصاد وتعمير وصناعة وتخطيط، حياة كريمة وبداية وانطلاق، مصر جديدة تنمو في حضن مصر الكبيرة، تعيد إليها الحياة وتحفظ لها المستقبل.
بـ«بص العصفورة»
للأسف، نظر جميعنا إلى العصفورة، هللنا لفعل «حماس» في السابع من أكتوبر 2023، فضاعت غزة، وقبل أن ننتفض لإنقاذها، فاجأتنا عصفورة جديدة، حرب مُسيَّرات كتلك التي نسيِّرها ضد بعضنا البعض من غرفة النوم لغرفة الصالون باستخدام أجهزة الووكي توكي، فضاعت لبنان، وقبل أن ننتفض لإنقاذها، فاجأتنا عصفورة جديدة، طارت فيها رؤوس كل الفزاعات التي عاشت سنوات في وهم حرب الكيان، قبل أن يقنصهم الكيان في غمضة عين، فضاعت سوريا.. وقبل أن ننتفض لإنقاذها «احذروا في 2025 النظر إلى العصافير».