حسابات العام ومعركة الوعي

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

فى مثل هذا الوقت من كل عام، تكثر الجردات وقوائم الحسابات. الأفضل والأسوأ، الأبرز والأغرب، الأهم والأكثر أهمية، وتتواتر القوائم التى أصبحت حسابات سنوية، بعضها ترويجى، والبعض الآخر توثيقى.

تحول كشف الحساب السنوى إلى عادات وتقاليد. أصبح أقرب ما يكون إلى «نطلّع الشتوى وندخّل الصيفى»، حتى لو فرض تغيّر المناخ قواعد جديدة ولم تعد هناك حاجة إلى شتوى وصيفى، فقط جاكيت خفيف وقت الحاجة.

تلال المعاطف والكنزات والأصواف لم تعد لها حاجة. هكذا هو حال جردة 2024. نُقبل عليها بفعل العادة، ولكن أغلبنا يعلم فى قرارة نفسه أن مجريات هذا العام تشبه ذلك العام مع بعض الرتوش.

صراعات تعج بها المنطقة، جماعات تنافس دولاً، مصالح فى الغرب تتصالح مع ألد أعدائها وتكون عداوات جديدة، انعكاسات فى الشرق للتقلبات وإعادة ترتيب للوريقات، معارك كبرى على خلفية تغيّر نظريات السياسة وقواعد الاقتصاد وأصول اللعبة، لعبة إدارة العالم، ومحاولات للتظاهر بأن هذا يملك مفاتيح التحكم فى اللعبة وحده، وذاك قادر على قلب موازين أرض الملعب.

وكعادة كل عام على مدار العقد ونصف الماضيين، نقول: لقد كان عاماً مليئاً بالمفاجآت أغلبها صادم قاتم؛ حافلاً بالتغيرات الأغلب منها صارخ فاضح؛ عامراً بالتقلبات كلها يمكن إدراجه تحت بند الصادم المداهم. والقول إن منطقة الشرق الأوسط كان لها نصيب الأسد من «المفاجآت» إن صح التعبير، و«المباغتات» -إن كانت الكلمة تفى المنطقة حقها فى ضوء قدراتها الفائقة على قلب الموازين وخرق المنطق- ليس غريباً أو صادماً.

على مدار عام مضى، نجحت منطقتنا فى التغلب على حرب روسيا فى أوكرانيا وتأرجحاتها، وصراعات الصين وأمريكا وتقلباتها، وتهديدات كوريا الشمالية وغرائبها.

فى مثل هذه الأيام من العام الماضى، 2023، تسابقت مراكز بحثية ودوريات سياسية فى تحديد أماكن العالم الساخنة التى يتوقع أن تشهد أحداثاً خطيرة مصيرية ربما تكون كارثية. من ميانمار إلى مالى، ومنها باكستان وأفغانستان، وكذلك سريلانكا وتايوان، ومنهما إلى كولومبيا والمكسيك، اجتهد الخبراء والعلماء فى تحديد بؤر الصراع ومكامن النزاع، لكن منطقة الشرق الأوسط فرضت نفسها بكل جدارة، باعتبارها «المنطقة الأكثر سخونة».

ولم تكتفِ بذلك، بل ها هى تخرج من 2024 وهى تعد بالمزيد، وتهم بدخول 2025 ومعها كل عوامل التفرّد والتميز. ودون الدخول فى تفاصيل أو أسباب تقلد منطقتنا رأس قائمة «الأسخن» بين مناطق العالم، إذ إن جميعها معروف وتفاصيلها نعيشه على مدار الساعة، يمكن القول بكل ثقة إن الدول التى تنجح فى الحفاظ على كيانها ووحدة أراضيها واستمرارية الحياة الطبيعية بين مواطنيها، أى تتمكن من الاحتفاظ بكيانها الوطنى فى ظل أجواء المنطقة الملتهبة والمحتقنة، وفى ظل التطورات المتسارعة، والتقلبات المتواترة، وضلوع أيادٍ لم تعد خفية، بل باتت تجاهر بصلفها وتفاخر بطغيانها، تستحق وشعوبها كل ألقاب البطولة والصمود.

تظل مصر عنواناً للدولة الوطنية. يظن البعض أن هذا تحصيل حاصل، لكن ما يدور حولنا يؤكد أن الإبقاء على الدولة الوطنية أصبح تحدياً كبيراً واختباراً بالغ الصعوبة. لا يمكن إنكار صعوبة العام ومجرياته علينا جميعاً.

من قلق وغضب لما يجرى فى غزة، وامتداداتها وتوسعاتها هنا وهناك، إلى ضغوط اقتصادية كبيرة وتحولات معيشية مسّت الجميع بدرجات متفاوتة، بالإضافة إلى مشكلات الحياة اليومية المعروفة، والتى لا يمكن أبداً التقليل من آثارها أو التهوين من ثقلها، يثبت أغلب المصريين مع انتهاء عام بالغ الصعوبة وبدء آخر لا يقل وعورة، أنهم أبطال العام وكل عام.هذه البطولة المستحقة تحتاج إلى صيانة ورعاية وحماية، بينما نستعد لنخطو فى اتجاه العام الجديد 2025.

الصيانة تتطلب مراجعة مواطن الخلل وإصلاح مواضع الضعف. والرعاية تعنى اهتماماً بالمطالب وآذاناً صاغية للمواجع وأيادى وخبرات قادرة على العلاج والمداواة. أما الحماية فلا تعنى درء المادية والجسدية فقط، ولكن تعنى أيضاً الوقاية التى هى خير من العلاج. وقايتنا فى 2025 وحتى آخر الزمان هى الوعى.

وإذا كانت «الست أم كلثوم» شدت «فما أطال النوم عمراً، ولا قصر فى الأعمار طول السهر»، نقول نحن «ما أصلح الوعى ندوة أو شعار أو كليشيه، ولا أثر فى الوعى مطالبة شفهية أو مناشدة نظرية بالانتباه والحذر». مع نهاية كل عام، تسرد قوائم الحسابات والتقييمات، وتجهز قوائم الأمنيات والتطلعات.

هذا العام، تتطابق أمنياتى الشخصية مع العامة. أتمنى وأرغب وأحلم بأن يكون عام الوعى المصرى. الوعى يبنيه العلم والثقافة والمعرفة والأمل والقدرة على التفكير المستقبلى المبنى على معارف وعلوم وقدرة على التفكير النقدى، لا معارف معاد تدويرها، ومدارك خضعت للهندسة الانتقائية أو وقعت فريسة فبركة السوشيال ميديا. معركة مصر الحقيقية فى 2025 هى معركة وعى حقيقية من أجل استمرار الحفاظ على الدولة الوطنية.