سراب يحسبه الجواسيس ماءً!
لن تخطئ عين متابعة للأحداث في مصر حالة التكثيف الهائلة على مدار الشهور الأخيرة، للشائعات والأكاذيب والحروب النفسية.
تكثيف يستخدم الآليات التقليدية نفسها التي ظلت لسنوات تهاجم المصريين بشراسة، فهي البوستات والأخبار الدوارة، ومنصات وقنوات تتناول وتتناقل تلك الأكاذيب والشائعات، لكن كل ذلك أصبح الآن أكثر تطورا وقدرة، بحكم مرور الزمن وتراكم الخبرة، والتطوير المتعمّد للأدوات تحت إشراف الأجهزة المشغلة.
إلا أن السؤال المنطقي، لماذا الآن؟ لماذا كل هذا الاستنفار والتكثيف؟
الإجابة من كلمة قالها الرئيس السيسي خلال تفقّده أكاديمية الشرطة: «لو كملتوا بالمعدلات دي هتبقوا في حتة تانية كمان 10 - 15 سنة».
يمكن القول إنّ الجولة الحالية من التصعيد الشديد للحروب النفسية ضد المصريين، بدأت تحديدا منذ الأزمة الاقتصادية عام 2022، ثم تصاعدت تدريجيا، لكنها اصطدمت بنقطة أربكت حسابات منفّذيها، وحتى القائمين عليها من الأجهزة المعادية.
كان الرهان منذ بداية الأزمة على أنّ هذه المرة سيكون الوضع مختلفا، فنقص النقد الأجنبي وتحريك سعر الصرف عدة مرات، والزيادة الكبيرة فى التضخّم، كلها عوامل ستجعل النظام السياسي عرضة للسقوط، أو على الأقل ستُقوض كل جهوده السياسية والاقتصادية، وستُؤدى إلى انهيار في معدلات العمل والنمو، التي من شأنها أن تُحقّق ما قاله الرئيس السيسي عن النقلة التي سيشهدها المصريون في المستقبل.
كان الرهان مدعوما أيضا برهان آخر على أنّ الدول الكبرى إقليميا ودوليا لن تساعد مصر، كما حدث في الماضي، لكي تتخطى أزمتها الطارئة، وبالتالي، أصبح تكثيف الحرب ضد المصريين وتطوير أدواتها ضرورة حتمية لتسريع الوتيرة وتعميق الأثر.
لكن عام 2024 أربك كل الحسابات، فهو العام الذي شهد تواصلا من العواصم الكبرى قبل غيرها مع الإدارة المصرية بسبب التصعيد في غزة، حيث استطاع الثقل المصري أن يفرض نفسه ويعلو فوق أي تعثر اقتصادي.
ثم جاءت صفقة رأس الحكمة وعدة اتفاقات تمويلية، لكي تُغلق الجزء الأخطر والأكبر من الفجوة التمويلية، والآن تتّخذ الدولة نهجاً واضحاً يستهدف إنهاء أزمة الدولار، بحيث لا تظهر مرة أخرى مهما كانت الظروف، وهو ما نراه واضحا في التوجّه نحو توطين الصناعة بكل دأب، لتقليل الواردات وزيادة الصادرات.
وبالتوازى مع كل ما سبق، الشارع المصري هادئ، لم يستجب لأي دعوات تخريب، تحمّل ببسالة وشجاعة ووطنية وفهم، ظروفا اقتصادية بالغة الصعوبة، واستطاع أن يمر من عُنق الزجاجة ببراعة شديدة.
النتيجة؟
رغم كل ما حدث، لا تزال معدلات العمل مرتفعة في مصر، ولا تزال الدولة عازمة على العودة بها كما كانت في السابق بمجرد تجاوز الأزمة بشكل تام، لا تزال خارطة الطريق كما هي لم تتغير، وكل الرهانات خابت.
هذه نقطة مُربكة جدا للحسابات، تدعو إلى مزيد من الشراسة في محاولة للحصول على أي مكسب من لحظة كانوا يظنون أنها الحصاد، لكنها تحولت إلى سراب كامل بعد أن حسبوه ماءً!