أوسكار للحياة تحت الركام

خديجة حمودة

خديجة حمودة

كاتب صحفي

إذا كان الحب والسعادة ودقات القلب وأبيات الشعر الغنائي ونغمات الموسيقى الناعمة التي تغازل العيون وتنغز القلوب نغزات ناعمة لتذكرهم بالأحباب، وريشة الرسام الملونة وأصابع النحات الساحرة الرشيقة التي تخرج الإبداع والجمال وتسجل الذكريات، فقد أثبتت التجربة أن الألم والأحزان تخرج أكثر وأكثر، وتصل أحياناً بأصحابها إلى العالمية وتمنحهم شهادات تفوق وتضعهم على طريق الأوسكار بلا منافس.

فهل يستطيع دارس التمثيل والإخراج في أشهر أكاديميات الفنون في العالم أن ينافس إحساس وملامح الألم والجوع والفزع والقلق الحقيقية ومشاعر البحث عن الغائب تحت الأنقاض، والركض للوصول إلى مكان يقي من القذف أو السباحة في مياه عميقة للوصول إلى كيس طحين وزجاجة زيت وعلبة لبن لرضيع يبكي جوعا بعد أن استُشهدت أمه، وكيف لمصور سينمائي أن يرسم بأدواته ورجاله قصة لخروج طفل من تحت أنقاض منزل بعد أيام.

وما زال قلبه ينبض وعيناه تبحثان عن أمه أو أشقاء كان بصحبتهم قبل أن يقذف منزله؟ وكيف لفنان أن يحمل كاميرا تحت القذف ويقرّر أن ينجز فيلما يوثّق فيه هذه الحياة ليروى للعالم حقيقة ما يجري وينافس كاميرات محطات الأخبار العالمية ونشرات الأخبار وتلك البرامج التي يطلقون عليها «من قلب الحدث أو عاجل أو أهم الأخبار أو بث مباشر، والاستوديو التحليلي»، كما ينافس أشهر خبراء الاستراتيجيات والأمن والتسليح فى حواراتهم أمام الكاميرات الفضائية، وأين هم هؤلاء الأبطال؟ وما هي جنسياتهم؟

ففي وسط هذه الحرب اللامعقولة التي يعيشها الفلسطينيون منذ 7 أكتوبر 2023، نشرت وزارة الثقافة الفلسطينية بياناً على صفحتها الرسمية لتُعلن ترشيحها لمجموعة (من المسافة صفر)، التي تتكون من 22 فيلما قصيرا وثائقيا تسجيليا أنتجت عام 2024 وتبلغ مدة عرضها 100 دقيقة للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، ومن توقيع السينمائيين والمخرجين والفنانين في قطاع غزة، الذين يعيشون الأحداث عن قُرب، ليُقدموا حكاياتهم السينمائية ويوثقوها خلال فترة العدوان الإسرائيلي على غزة.

ولأن المحتل مغتصب الأرض والحياة والأمان دائما ما يشعر بالخوف والقلق من فضح جرائمه ومن وصول حقيقته إلى العالم، فقد منع الاحتلال الإسرائيلي عرض أفلام منه في مدينة القدس.

وقصة الفيلم توثيق لما يحدث تحت القصف، ومع أشخاص يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة، ويصارعون لتدبير الطعام والماء لأسرهم وهم الأشخاص أنفسهم الذين يقومون بتقديم الفيلم، ومن هنا جاءت التسمية، وفيه قصص حقيقية ما بين طوابير انتظار المياه والخبز وشحن الهواتف، تدخل العدسة إلى قلب الخيمة لترى (أم شهد)، التي تكتب أسماء أطفالها على جلدهم الطري حتى لا تضيع هوياتهم إن باغتهم الموت، وصورة أخرى للصغير كريم الذي ينام في كفن الموتى، بحثا عن دفء من برد الليل، وقصص البحث تحت الركام وهي تعود لمشاهد حية وفي الكواليس التي تروي على ألسنة الأطفال.

في أحد هذه الأفلام البطل تاج الذي يحكي عن شهادته حول إنقاذه 3 مرات من تحت الأنقاض في يوم واحد، وفي فلاش باك تحكي فتاة مراهقة كيف تم قصف منزلها وهي داخله، وكيف تتذكر ذلك المشهد يوميا؟

وفي محاولة منها لتحدي هذه الصدمة تضع السماعات على أذنيها حتى لا يعود لها أزيز الزنانة التي تُحلق فى الأجواء وتحاول أن ترقص وكأنها تقاوم الخوف بالرقص فوق الأنقاض. وقد عُرض الفيلم لأول مرة فى مهرجان عمان السينمائي الدولي في يوليو 2024، ومن المقرر عرضه في مهرجان تورنتو السينمائي في كندا، كما رشحته وزارة الثقافة الفلسطينية للمنافسة على جائزة أفضل فيلم دولي في الدورة السابعة والتسعين.

وقد انضم الفيلم بهذا الترشيح إلى قائمة طويلة تضم 15 فيلما تم اختيارها من بين 85 عملا قدمتها دول مختلفة للمنافسة على الجائزة، حيث ضمّت القائمة أفلاما من البرازيل وفرنسا وألمانيا وأيسلندا والتشيك والسنغال وبريطانيا وتايلاند، ومن المقرر أن تُعلن القائمة المختصرة للمسابقة في 17 يناير 2025، بينما يُقام حفل توزيع الجوائز في 2 مارس 2025 بمسرح دولي في لوس أنجلوس.

فهل ستفوز تلك القصة الحقيقية بأوسكار 2025؟