صاحب أعمق غطسة للمعاقين في حوار لـ"الوطن": "السرطان" سبب دخولي "جينيس"

كتب: نور نبوى

صاحب أعمق غطسة للمعاقين في حوار لـ"الوطن": "السرطان" سبب دخولي "جينيس"

صاحب أعمق غطسة للمعاقين في حوار لـ"الوطن": "السرطان" سبب دخولي "جينيس"

عندما يصاب أحدنا بمرض خطير يشعر بأن العالم انتهى وانتهت معه حياته، ولكن الكثير لا يعلمون أن لكل محنة حكمة، وأن المرض قد يكون طريقًا نحو شفاء أبدي واكتشاف القوة والعظمة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للبشر. ليو مورالي، البطل المكسيكي الذي دخل موسوعة "جينيس" مرتين عام 2012 وكذلك عام 2013، في كسر الرقم القياسي لأعمق غطسة في العالم يقوم بها متحدو الإعاقة. وما زالت تتوالى نجاحات وتحديات "مورالي" ويتوالى معها اكتشافه للقوة الكامنة الموجودة بداخله، كان آخرها مشاركته الفعالة والمشرفة في الحدث العالمي الذي دخلت به مصر موسوعة جينيس في تجمع أكبر عدد غطاسين فى العالم لتنظيف مياه البحر الأحمر، والذين بلغ عددهم 614 غطاسًا من مختلف بقاع الأرض. كان لجريدة "الوطن" لقاء خاص مع البطل المكسيكي ليو مورالي، الذي هزم السرطان وتحوَّل من مجرد إنسان عادي إلى بطل عالمي ونموذج يحتذى به. - في البداية.. كيف كانت حياة ليو مورالي قبل دخول موسوعة جينيس؟ لقد كنت إنسانًا عاديًا جدًا، وكانت حياتي بسيطة مثلها مثل حياة الملايين من البشر الذين يعيشون بأحلام وطموحات بسيطة، فقد كان كل هدفي هو أن أستمر في عملي حيث كنت أعمل موظفًا بأحد البنوك، وكنت أتقاضى راتبًا معقولًا يسمح لي بأن أعيش حياة كريمة، وكانت قمة سعادتي في أن أحصل على علاوة تسمح لي بالتنزه في عطلة نهاية الأسبوع. لم يكن لديَّ أي أهداف خارقة أو تطلعات للطموحات صعبة تتطلب المجازفة والتحدي. ولكن الحياة دائمًا ما تحمل لنا مفاجآت قد تعصف بحياتنا وإما أن تدمرنا وتقضى علينا أو تعلمنا وتصبح منعطفًا تاريخيًا ينقلنا إلى قمة ما كنا نتوقعه عن أنفسنا وعن قدراتنا. واستكمل ليو مورالي حواره مع "الوطن" بكلمات تهتز لها الجبال، كانت كالرياح العاصفة التي أزاحت كل شيء واجهته، قال ليو: "لقد أصبت بمرض السرطان، وكان ذلك صدمة بالنسبة لي ولعائلتي ولأصدقائي، والصدمة الأكبر هو ما أخبرني به الأطباء بأن حالتي الصحية متأخرة، ولا بد من الإقامة في المستشفى حتى ألقى العناية والرعاية المطلوبة. وللأسف رغم كل ما فعله الأطباء من تقديم المساعدة ومحاولة إنقاذي من انتشار المرض، إلا أن الوقت قد تأخر كثيراً، حيث حذرني الأطباء من أن السرطان تغلغل في جسدي، وبالتحديد بلغ قمة انتشاره في ساقي اليمنى، وكان لا بد لي من إجراء عملية جراحية لبتر الساق، إنقاذًا لحياتي، لم يكن أمامي أي خيار آخر فإما أن أفقد ساقي أو أفقد حياتي كلها. - وما الذي حدث بعد تدهور حالتك الصحية؟ لقد أجريت لي عملية جراحية خطيرة، وتم بتر الساق اليمنى في عام 2008، وبقيت في العناية المركزة بالمستشفى لفترة طويلة، وأصبحت أشعر بمرارة الألم والمرض، مرَّت عليَّ أيام عديدة وليالٍ طويلة، كانت مملوءة بالحزن واليأس، وشعرت بأنني فعلًا قد انتهيت وأن حياتي لم تعد ذات قيمة. - ولكن كيف حدث هذا التحول؟ فنحن نراك الآن بطلاً مبتسمًا ومتفائلاً ومملوءًا بالحيوية؟ إن العملية الجراحية التي أجريت لبتر ساقي لم تمنع السرطان من الهجوم على باقي أجزاء جسدي وكأن الحرب الحقيقة بيني وبين المرض بدأت. وأصبح الموت قريبًا مني جدًا، حيث أكد لي الأطباء أن أيامى فى هذه الدنيا صارت معدودة، ربما 6 أشهر أو أكثر بقليل. ساءت حالتى الصحية و النفسية للأقصى حد، ونقلت بعدها للمنزل بعد أن فقد الأطباء الأمل فى شفائى وكنت أنتظر الموت يوما بعد يوم وقررت الانعزال عن الناس وقاطعت كل أصدقائى وشعرت بالوحدة وعشت مرارة الموت وكنت أسأل نفسى كل يوم: متى يأتى الموت حتى تنتهى معاناتى؟ وفجأة أخبرت نفسى بشىء، وهو حيث إننى أنتظر الموت وأن حياتى آجلا أو عاجلا ستنتهى فلما لا أستمتع بتلك الأيام القليلة الباقية، ومن هنا كانت نقطة التحول فى حياتى.! وقررت أن أبحث عن أى شىء يمكنه أن يسعدنى أو يخفف من آلامي وأخذت أبحث عبر الإنترنت عن أى شىء يستهوينى وأى شىء يمكن لمن فى حالتى الصحية والجسمانية أن أفعله، وقلت لنفسى طالما أننى أتنفس وأستطيع التحرك فإن ذلك يعنى أننى يمكنى القيام بشىء ما. وبعد ساعات من البحث وجدت شيئًا أدهشني واستهواني في نفس الوقت، وجدت مدارس لتعليم الغطس للمعاقين شعرت وقتها بأن روحى تستعيد مكانها داخل أجزاء جسدى، خاصة بعد أن عرفت أن هناك كثيرًا من ذوى الاحتياجات الخاصة يمارسون هذه الرياضة. وقررت من هنا أن أتعلم الغطس وأستمتع بالأيام القليلة الباقية فى حياتى التعيسة. - كيف كان استقبال المحيطين بك لذلك القرار؟ اندهشت أسرتى بشدة من قرارى، وكان ذلك بحكم خوفهم وقلقهم الشديد على حياتى، ولكن رأيت فى أعينهم فرحة أننى مازلت على قيد الحياة وأرغب فى التعلم. بدأت تعلم الغطس بكل شغف ولهفة، وكأننى أبحث عن ميلاد جديد لحياتى، كنت أرى نفسى معاقًا وأنا أسير على الأرض ولكننى رأيت نفسى طائرًا تحت الماء، دفعنى ذلك الشعور إلى أن أتعلم أكثر وأكثر حتى تمكنت من الغوص تحت الماء بمهارة فائقة أدهشتنى للغاية. - وماذا فعلت مع السرطان الملازم لجسدك؟ كلما كنت أغطس أكثر كان المرض ينقشع من جسدى، وكأنه يذوب في مياه البحر، حيث بدأت حالتي الصحية تتحسن، وبدأ انتشار المرض يتضاءل ويتلاشى كأنه شبح يبعد عنى يومًا بعد يوم. ومع تحسن حالتى ظهرت عندى رغبة قوية بألا يقتصر الموضوع على مجرد الهواية، وقررت أن أنضم للمسابقات لأختبر مهاراتى فى الغطس، وشعرت بتحدٍ كبير، ونمت بداخلي الإرادة لأن أجتاز هذا الاختبار. - وكيف كان إحساسك وأنت تجتاز الاختبار؟ كان إحساساً مملوءا بالتحدي، حيث كنت أتحدى الجميع، وكان التحدى الأكبر لنفسى لأن نجاحى يعنى استمرار حياتى، واختفاء المرض من جسدى، وكان الجميع من حولى يحذرونى من خطورة هذا القرار، وأولهم المؤسسة الخاصة بالغطاسين من متحدى الإعاقة الذين كانوا يذكروني دائما بأن القرار صعب والالتزام بالتحدى أصعب وأن فشلى يعنى فشلهم جميعا لذلك لا بد من التريث قبل التقدم للمسابقة الغطس الخاصة بمتحدى الإعاقة. - وهل ترددت فى التقدم للمسابقة أعمق غطسة لمتحدى الإعاقة؟ لم أتردد لحظة وهزمت الخوف المدفون بداخلى، وزادنى خوف المحيطين إصرارًا فى أن أنجح وأدخل موسوعة "جينيس" فى كسر الرقم القياسى للأعمق غطسة للمعاقين فى العالم. وبالفعل حققت النجاح الذى تحديت نفسى من أجله، وفى ديسمبر 2012 دخلت موسوعة جينيس فى تحقيق أعمق غطسة للمعاقين فى العالم والتى بلغت 120 مترًا تحت الماء. ومن هنا تعلمت وتأكدت وأدركت أن القوة التى يهبها الله لنا لا تأتى من الخارج ولا نستمدها من شىء أو شخص وإنما هذه القوة موجودة بداخلنا ولكن معظمنا لا يعلم ذلك، المحظوظون فقط هم الذين يعلمون ويدركون تلك القوة. و لم أكتفِ بذلك، وكررت المحاولة فى الوصول لكسر رقم جديد تحت الماء فى العام التالى 2013، ونجحت بذلك فى دخول الموسوعة للعام الثانى على التوالى بكسر الرقم لرقم جديد أعمق تحت الماء. ومن هنا أرى أن الإعاقة والمرض لا توجد فى الجسم، وإنما توجد في العقل، وأن من يريد الشفاء عليه أن ينظر لعقله وأفكاره ولا ينظر لجسده والظروف المحيطة به، حيث إن القوة الكامنة بداخل الإنسان أقوى وأعظم بكثير مما يتصور.