الطغيان الإسرائيلي

لم تكتفِ قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل آلاف النساء والأطفال والصحفيين والأطباء، وتجويع أهل غزة وطردهم من منازلهم وتهجيرهم قسرا، حتى تناقلت وكالات الأنباء صور الكلاب وهي تنهش جثث شهداء غزة في منظر غاية في الإيلام والبؤس.

العالم أجمع يشاهد تلك المناظر المهينة دون رد أو نكير، الدنيا كلها رأت بعيني رأسها العربدة الإسرائيلية، فلا أخلاق لدى قُوات الاحتلال ولا شرف في الخصومة أو الحرب، فمنذ 50 يوما يمنع الاحتلال الإسرائيلي طواقم الإسعاف والدفاع المدني من التحرك لتلك المناطق لانتشال الجثث وسط حصار خانق وقصف مستمر.

وقد أفادت المصادر الطبية في غزة بأنّ مئات الجثث ملقاة في شوارع جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون وتنهشها الكلاب، ومن يحاول دفنها أو الاقتراب منها تقصفه المسيرات الإسرائيلية فورا، وأنّ بعض المصابين ظل ينزف لعدة أيام حتى لقي ربه دون أن يسعفه أحد.

انتهاكات مركبة تفعلها إسرائيل؛ قتل إنسان مدني أعزل، ثم منعه من حق العلاج، ثم ترك جثته دون دفن لتأكلها الكلاب، لم نرَ في التاريخ مثل هذه الوحشية، بعض الجرحى يقوم الجنود الإسرائيليون بقنصه وقتله وهو جريح وهم يهللون ويتسابقون، أيهم يقنص رأسه أو صدره، والغريب أنّ أمريكا والغرب، رعاة حقوق الإنسان، لا تسمع لهم صوتا يندد بمثل هذه المشاهد، فلا حديث للغرب إلا عن الرهائن الإسرائيليين وكفى.

وجد مجموعة من شباب غزة جوع أهلها وعوزهم واستطاعوا الحصول على بعض مساعدات «أونروا»، فطفقوا يطبخونها ويجهزونها للتوزيع، وهم فرحون بعملهم، وإذا بالمسيرات الإسرائيلية تقصفهم فتدمر وتقتل الطهاة، ويختلط الطعام الملقى على الأرض بجثث وأشلاء الشهداء، وتختلط الدماء بالطعام في منظر مأساوي مهين، يصيح أحدهم بعد القصف: نحن نطبخ للناس، ماذا جنينا، وماذا فعلنا لنتحول لأشلاء ودماء! وتضيع فرحة أصدقائي بأنهم سيطعمون أقاربهم وأهلهم؟! جبروت إسرائيلي وطغيان صهيوني لا حدود له.

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن ضابط إسرائيلي قوله: «هناك خط شمال محور نتساريم يسمى خط الجثث، وأهالي قطاع غزة يعرفونه جيدا، وبعد إطلاق النار على الفلسطينيين عند هذا المحور تُترك الجثث لتأكلها الكلاب، وهناك سباق بين الوحدات العسكرية الإسرائيلية بغزة لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين، ولدينا أوامر بإرسال صور الجثث إلى قيادة الجيش، وقد تبين أنّ 10 فقط منهم من حماس والباقي مدنيون عاديون، وكلهم كان لا يحمل السلاح»، انتهى كلام القائد الإسرائيلي للصحيفة.

خيام أهل غزة تهتز يمنة ويسرة مع شدة الرياح، لا تصمد أمام الأمطار التي تجتاحها، تغمر الأمطار سكان الخيام في غزة، فلا طعام ولا ماء عذب، ولا دفء ولا أمان، بل جوع وقصف وخوف ودماء وأشلاء، وأرواح تصعد إلى السماء شاكية إلى الله ظلم العباد، لقد كرهت الشتاء من أجلهم ومن أجل عذاباتهم الكبرى في أشهر الشتاء.