إليك قصة الضفدعة التي «انفجرت»
صادفني منشور عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، يحمل مجموعة من الصور المتتالية تعرض قصة ضفدعة داس ثور ضخم على صغيرتها فـ«انفعصت» ثم غاصت في الطين وماتت، وحين حاولت الابنة المتبقية وصف ما جرى لأمها، حاولت أن تصور كم كان الثور الذي «دهس» شقيقتها ضخما، فراحت الأم تنتفخ لتفهم مدى حجمه، وتسألها، هكذا؟ هكذا؟ هكذا؟ حتى وصلت إلى الدرجة التي انفجرت من بعدها الأم.
ضحك كل من رأى الحدوتة، ربما لأنها كوميديا سوداء، أم تنفجر بعدما تم دهس صغيرتها، هذا كله أمام عين ابنة وحيدة صارت يتيمة، أو كما قال المعلقون «يا وجع الضفادع»، ولكن مهلا، هل القصة مضحكة حقا؟ في الواقع هي كذلك، على المدى القريب، لن تتمالك نفسك من الضحك، والاستغراب أيضا، كيف تفتق ذهن كاتبها إلى هذه الدرجة من التخلي عن كل الاعتبارات، سواء المتعلقة بقواعد كتابة قصص الأطفال، أو حتى قواعد الإنسانية التى قد تدفع طفلا صغيرا للبكاء وربما الاكتئاب عقب قراءة قصة كتلك تتحدث عن موت بطريقة فظيعة، ونهاية مفتوحة بشكل مستفز، تاركا كل من يقرأها مع سؤال عميق: «أين الحكمة؟».
لكن قصة الضفدعة المنفجرة تلك، وإن كانت مأخوذة بطريقة مشوهة عن قصة أصلية تدور حول الغرور، وكيف حاولت ضفدعة أن تماثل الثور في حجمه فراحت تنتفخ حتى انفجرت، فهي توضح الفارق الضخم بين القصص الأصلية ذات المغزى، تلك التي تتم مراجعتها عشرات المرات، مع تعديلات بلا حصر للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة، وتلك المسروقة ذات الوصمة.
قصة الضفدعة المنفجرة واحدة من عشرات القصص التي تباع بأثمان مغرية على أرصفة المترو وفي الشوارع، مجموعة من الألوان والرسوم الجذابة مع كلمات بسيطة، عامرة بالأخطاء الإملائية وانتهى الأمر.
ما زلت أذكر حين عرض أحدهم على والدي رزمة من تلك القصص بثمن معقول، فأتاني بها على سبيل الهدية، وبدأت أقرأها بنهم، قبل أن أتوقف كثيرا أمام محتواها، ما زلت أحتفظ ببعضها وأجد غرابة حقيقية في الأفكار التي تحملها، من بينها تلك القصة التي تتحدث عن أسرة في الريف، يظهر رب الأسرة في الصفحة الأولى منها وهو يشعل الفحم من أجل شرب الشيشة، بينما تصف الصفحات التالية كيف يتم توزيع الأدوار في المنزل، بحيث تقوم الأم بكل شيء تقريبا وعلى الابنة المجتهدة أن تحذو حذو والدتها، فالأب يعمل في الحقل بينما الأم تعد الطعام وتنظف المنزل وتربي الأولاد، وتذهب عقب هذا كله لتساعد زوجها في الحقل!
ما زلت أذكر أيضا ذلك الكتيب ذا الرسوم الجذابة الذي دخلت بسببه في اكتئاب لوقت طويل خلال طفولتي بحيث صرت أعجز عن النوم، كان يتحدث عن عذاب القبر للأطفال، ويتحدث عن أنه لا أحد سوف ينجو، الكل سيتجرع العذاب، يومها شعرت بشعور مقيت في معدتي مع كراهية للنوم، خشية الموت.
حاولت أمي تهدئتي بإعداد مشروب حبة البركة، فارتبط طعمه لدىّ بالخوف، كلما شممت رائحته حتى اليوم شعرت بدنو أجلي، هذا ما أورثه لي «كتيب» صغير، وهذا ما يمكن أن تفعله مجموعة من الصفحات الملونة التي تبدو حميمة في نفس وعقل طفل يرغب في القراءة، فيصاب بصدمة ربما تصاحبه لبقية عمره، البعض يكره عملية القراءة برمتها لأجل كتاب واحد رديء.. المسألة ليست هينة على الإطلاق.
إن كانت المخدرات تذهب العقول، فتلك القصص العشوائية الموجهة للأطفال تتلف العقول والنفوس الصغيرة تلفا حقيقيا، أكتب تلك الكلمات ولا يبارحني وجه صغيرتي ذات السنوات الخمس، حين يصادفها مشهد عابر به عنف، أو إساءة، فتتوقف عنده طويلا وتمعن في البكاء وتنتحب أمام كل هذا الظلم الذي لا يمكنها تغييره، ما كان شعورها لو أنّها قرأت قصة مماثلة يوما ما حين تستطيع القراءة بمفردها؟!
ربما الأمر بحاجة لبعض الرقابة على المحتوى الموجه للأطفال، وربما جدير بنا وجود جهة واضحة يمكن اللجوء إليها للإبلاغ عن مثل تلك الأعمال المؤذية، لعلنا يوما ما نحترم العقول الصغيرة بالقدر الذي تستحقه.