أزمة لغة أم شعوب؟

راجى عامر

راجى عامر

كاتب صحفي

جاء اليوم العالمي للغة العربية هذا العام في وقت تشهد خلاله بعض الدول العربية صراعات وأزمات ربطت بين اللغة العربية وكل هذه الحروب والمآسي الإنسانية والأزمات الاقتصادية الخانقة والمحاولات الغربية لإثارة الفتن والحروب الأهلية أو تفكيك الدول العربية والسيطرة على مواردها وقراراتها، وكأنها «لغة مأزومة» بقدر أزمات الناطقين بها.

والمتأمل لحال قطاعات من الشباب العربي يجدهم لا يحترمون هذه اللغة بالقدر الكافي بل يتعمدون وضعها في مرتبة أدنى من اللغات الأجنبية رغم أنّ تعلم اللغات الأخرى -رغم أهميته- لكنه وسيلة للتواصل الإنساني والمعرفي وليس من المفترض اعتبار اكتساب اللغة هو مقياسا للتحضر أو الرقي في حد ذاته.

مجتمعاتنا العربية لها حصيلة كبيرة من النشاط الإنساني، وتكوّنت لدينا عبر الزمن أنماط وقيم وعادات وتقاليد ومظاهر فنية ودينية وفكرية ميّزتنا عن غيرنا من المجتمعات، ولا شك أن بعض أفكارنا تحتاج إلى التطوير أو التغيير لتناسب العصر لكنها في مجملها ليست في حاجة إلى التجريف أو النسيان، فنحن لسنا أمة ناشئة لنتجاهل تراثنا أو أمة محتضرة لنلغي حضارتنا وننسخ كل القيم والأفكار والأدب والفن عن الآخرين.

وقد يظن البعض أنّ اللغة العربية تعكس الجمود الفكري الذي نعاني منه إزاء بعض القضايا، فيتأثرون باللغات الأجنبية المدعومة بالقوة الاقتصادية والعلمية لشعوبها، أو يظنون أنّ اللغة العربية تفتقر أحيانا للمصطلحات العصرية الملائمة للتكنولوجيا أو العلوم الحديثة، وربما يكمن أحد الحلول في تطوير الأنظمة التعليمية لتدريس اللغة العربية بطريقة حديثة تجعل الشباب يتذوقون جمالها بدلا من كراهيتها.

اللغة العربية ليست فقط وسيلة للتواصل الإنساني بين الشعوب العربية إنما وعاء للفكر والإبداع العربي، كما أنّ الاحتفال بها يعكس اعتزازنا بهويتنا الثقافية ونقلها للأجيال القادمة لتتفاخر بها بدلا من تجاهلها. ولأن اللغة هي انعكاس لكل معارفنا وتراثنا وعاداتنا، ووسيلتنا للفهم والتعبير والتأثير فعلينا الحفاظ عليها قدر الاستطاعة، ومنع ذوبانها وضياعها في لغات أخرى.