سيدي «علي زين العابدين».. السلام على «ابن الأكرمين»

سعيد حجازي

سعيد حجازي

كاتب صحفي

حَجّ الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك ذات مرة، خلال حكم أبيه الخليفة عبد الملك بن مروان، فطاف بالكعبة المشرفة، فلما أراد أن يستلم «الحجر الأسود»، لم يستطع، لزحام الناس على الكعبة المشرفة، فنصب لنفسه متكئًا ومكث عليه مع جماعة من أعيان الشام، وجعل ينظر إلى طواف الناس، وبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام علي بن الحسين الهاشمي القرشي، ليؤدي طوافه، فلما بصر به حجاج بيت الله الحرام غمرتهم هيبته التي تحاكي هيبة جده المصطفى، صلوات الله وسلامه عليه، فتعالت الأصوات بالتهليل والتكبير، فلما دنا من الحجر ليستلمه تنحى عنه الحجيج إجلالًا وهيبًة واحترامًا له حتى استلم الحجر بسهولة ويسر.

على الجانب الأخر من المشهد وقف هشام بن عبد الملك وحاشيته ينظرون والغيظ والحسد قد أخذ منهم مأخذًا عظيمًا، فقال رجل من «زبانية هشام»: «من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟»، لم يقدر الخليفة الأموي أن يقول الحقيقة، كذباً قال «لا أعرفه»، وكان «الفرزدق»، أحد شعراء بني‌ أمية‌ ومادحيهم‌، حينها حاضرًا فقال: «لكني أعرفه.. هذا علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما»، ونظم في مدح سليل آل بيت النبوة قصيدته الشهيرة التي قال فيها:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحل والحُرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم ** هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ** بجده أنبياء الله قد ختموا

وليس قولك من هذا بضائره ** العرب تعرف من أنكرت والعجم

من منا لا يعرف «ابن الأكرمين»، فلندعه إلى أبيه وجده، لنعرف حسبه ونسبه الشريف، «أبا الحسن» علي ابن سيد شباب أهل الجنة مولانا الإمام الحسين السبط، ابن مولانا الإمام علي المرتضى، أبو السبطين ومن هاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين، صالح المؤمنين علم العشيرة وناصر دين الله، وجدته سيدة النساء التقية النقية السيدة فاطمة الزهراء، بضعة النبي المختار المؤيد بجبرئيل، والمنصور بميكائيل، مولانا وسيدنا محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين، صل الله عليه وعلى آل بيته الأطهار الأخيار أجمعين وجمعنا بهم في الفردوس الأعلي، ورزقنا بحبهم ستره ورضاه.

نشأ «زين العابدين» في أرفع بيت وأسماه فتبلورت شخصيته، فهو «من أهل بيت قد زُقُّوا العلم زَقّاً»، حيث اِختصهم الله عز وجل بست خٍصال فأعطاهم العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، فكان امتدادًا مُشرقًا لبيت النبوة ومُثل الإمامة، أجمع علماء الأمة، أنه من أفقه أهل زمانه وأورعهم وأتقاهم، له من الفضل والعلم ما لا ينكره أحد، وذكره من عاصروه بأنه كان ناصرًا لدين الله، لسان حكمة العابدين، مِقدام هُمام، صابر صوّام قوّام، قال عنه إمام أهل السنة محمد بن إدريس الشافعي أنه «أفقه أهل المدينة»، وذكره الإمام مالك بأنه «لم يكن في أهل بيت رسول الله مثل علي بن الحسين»، وقال محدث الحرم المكي سفيان بن عيينة «ما رأيت هاشميًا أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه».

«سيد الساجدين» وإمامهم، يلقبه عامة المسلمين بالإمام السجاد، فكان سيدنا علي «زين العابد» يُكثر من السجود خارج الصلاة وحينما سألوه عن ذلك قال أنه «وجد قلبه في هذا»، فكان سجوده الكثير تجسيدًا لحديث النبي الشريف «فأعني على نفسك بكثرة السجود». وجوه عدة ذكها المؤرخون والعلماء لسيدنا علي، كان علي رأسها أنه كان عابدًا عالمًا، يروى أبي نُعيم الأصبهاني في كتابه «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» أنه «كان على بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة، وصار بين وضوئه وصلاته، أخذته رعدة ونفضة فقيل له فى ذلك، فقال: ويحكم، أتدرون إلى من أقوم، ومن أريد أن أناجى؟»، وعن أبيحمزة أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: رأيت علي بن الحسين رضى الله عنه فى فناء الكعبة فى الليل وهو يصلي فأطال القيام حتى جعل مرة يتوكأ على رجله اليُمنى، ومرة على رجله اليُسرى، ثم سمعته يقول بصوت كأنه باك: «یا سیدی، تعذبني وحبك فى قلبي؟ أما وعزتك لئن فعلت لتجمعن بينى وبين قوم طالما عاديتهم فيك».

الحمد لله الذي منّ علينا بالإمام علي زين العابدين ونجاه من فاجعة كربلاء، حيث شهادة عدد كبير من نسل آل بيت النبي علي يد جنود الأموي يزيد بن معاوية، فكان الإمام علي بن الحسين، الوحيد من ذكور «آل البيت» الذي نجا من تلك المجزرة، وبه استمر النسل الشريف، حسبك أن تعرف إنه ما من أحد ينتسب إلى الإمام الحسين إلى يومنا هذا إلا وكان من نسل الإمام علي، لذلك يطلق عليه «جد الأولياء جميعًا».

المؤكد في الكثير من المصادر التاريخية، أن سيدنا علي السجاد خرج مع أبيه سيدنا الحسين وآل بيته من المدينة إلى مكة، بعد أن رفض «الحسين» إعطاء البيعة لـ«يزيد»، ثم خرج الركب الشريف من مكة متوجهًا نحو العراق، وهناك وقعت فاجعة كربلاء. تدابير الله سبحانه وتعالى في تلك اللحظات كانت هي التي حفظت الإمام علي بن الحسين، حيث وصل إلى العراق في وقت مبكر ولم يكن في استطاعته المشاركة في القتال بسبب مرضه الشديد، هذا المرض حال دون أن يكون جزءًا من المعركة التي خاضها والده الإمام الحسين في كربلاء.

قبل «واقعة عاشوراء»، دخل عليه مولانا الإمام الحسين، وأوصاه بوصاياه الشهيرة، وكانت آخر ما قاله له: «يا بني، أوصيك بما أوصى به جدك رسول الله عليا حين وفاته، وبما أوصى جدك علي عمك الحسن، وبما أوصاني به عمك إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرًا إلا الله». ثم ودعه ومضى إلى ميدان المعركة الأخيرة.

وفي هذا اليوم المبارك، حيث مولده الشريف، نقف على عتباته المقدسة بالقاهرة المحروسة، نحتفل بمولده الشريف، هنا تجد من له حاجة يقف يدعو الله ويتقرب إليه بـ«بنى الزهراء» كي يقضي رب العباد حاجته، هنا الأنوار الساطعة، والمقامات الطاهرة مرقد الصالحين، هنا الكرامات والنفحات الربانية، فالسلام والتحية والإكرام والرضا من الله العلي الأعلى الرحمن الرحيم على «ابن الأكرمين»، مولانا الإمام الزكي الأمين علي السجاد، زين الصالحين ومنار القانتين فاللهم تقبل منا حبهم وأجمعنا بهم في جنتك، ورضي الله عن آل بيت النبي الكريم، وحشرنا فى زمرتهم أجمعين.