م الآخر| "مدفع رمضان".. شاكيرا وبرديس وبرلمان غائب ومركب غارق

عهدنا من إعلامنا الهمام في الآونة الأخيرة أن يتبع معنا سياسة "بص العصفورة"، وتكون "العصفورة" دائمًا هي توافه الأمور وما لا ينفع الناس وإنما يضيع أوقاتهم ويثير شهواتهم، في موقف يظهر بوضوح مدى السطحية والتفاهة التي وصل إليها الإعلام في مصر، وهي قضية في حد ذاتها مهمة وتحتاج إلى عناية كبيرة وعلاج فوري.. قضية "انحراف الإعلام". فجأة.. أصبحت الراقصات في بلادنا أكثر أهمية من العلماء بالنسبة للإعلام، ولعل السبب في ذلك هو انحدار أذواق غالبية الناس، والإعلام في النهاية سلعة مثل أي سلعة تقوم على قاعدة "العرض والطلب"، فما يريده ويبحث عنه الجمهور يلبيه الإعلام، ولا عجب أن ينتشر إرضاء الغرائز في مجتمع يسوده الغلاء والفقر وصعوبة الزواج، وحتى لا يفهمني البعض بشكل خاطئ فنحن هنا لا نضع مبررات بقدر أننا نشخِّص المرض حتى نبحث معًا عن العلاج. "القبض على برديس وشاكيرا" هذا المانشيت كان وجبة دسمة تاجرت بها وسائل الإعلام طوال الأيام الماضية أكثر من خبر واحد عن طالب واحد ابتكر اختراعًا ما أو تحقيقًا صحفيًا عن مياه الصرف الصحي التي تسبح فيها العديد من المحافظات أو الأمية المنتشرة أو الإرهاب المتوغل والفساد المتقوقع، فجأة تحولت هاتان الراقصتان إلى حدث مهم في بلد يعيش فيه 90 مليون إنسان تجمعهم هموم مشتركة وتفرقهم هموم أخرى مستقلة بكل واحد منهم أو كل مجموعة منهم. وهل يمكن لبلد كبير ومهم مثل مصر أن يبقى عامين كاملين بلا مجلس تشريعي يضع القوانين ويمثل الشعب في إرساء دولة القانون والمؤسسات والرقابة على الدولة؟، وهل يجوز أن تبقى سلطات التشريع في يد رئيس الدولة بما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات؟.. ما سبب تأخير انتخابات مجلس الشعب بالله عليكم؟.. نقرأ ونسمع ونرى في وسائل الإعلام عن مجالس تتشكل وقوانين برلمانية يتم مناقشتها وتأجيلها ورفضها، أي قوانين تلك التي تتسبب في تعطيل تشكيل البرلمان؟ البرلمان هو مصدر القوانين كيف إذن تعطله القوانين؟ ولماذا كان يتشكل البرلمان بسرعة في العهود الماضية؟. النقطة الأهم والتي لا يجب إغفالها أيضًا وأن يركز الإعلام عليها و"يقاتل" من أجلها هي أرواح ودماء المصريين التي أصبحت رخيصة في الداخل والخارج.. سواء على يد المنظمات الإجرامية أو الدول الكارهة لمصر أو بيد الإرهاب أو الإهمال أو تجاوزات الدولة في بعض الأحيان.. غرق مركب يضم عددًا كبيرًا من المصريين يذكرنا بمأساة "العبَّارة"، والمركب الذي يجب أن نحذر كل الحذر من غرقه وضياعه هو المركب الكبير الذي يجمعنا.. سيغرق هذا المركب إذا استمر الإهمال والسلبية والتركيز على توافه الأمور وإغفال الجاد والعظيم منها.. المركب لن يتحمل مثل هذه الأزمات.. المركب فاض به الكيل.. حافظوا على المركب.. "مركب الوطن".