محمد مغربي يكتب: بعد تطبيق Apple Pay.. بطاقات الائتمان أحدث ضحايا الهاتف

محمد مغربي يكتب: بعد تطبيق Apple Pay.. بطاقات الائتمان أحدث ضحايا الهاتف
تبدو المشاهد معتادة في أي مسلسل مصري تم إنتاجه في بداية الألفية الثانية، ثري يملك بطاقة ائتمان يُخرجها على سبيل التباهي وإبراز النفوذ، اندهاش من حوله بأنّه يحمل تلك البطاقة التي قد تكون مؤشرا على أنّه ارتكب جريمة سرقة أو اختلاس أو قتل أحدا ما، تلك الصورة التي عرفنا بها بطاقات الائتمان لم تكن إلا معبرا عن نُدرتها وقلة من يستخدمونها في البداية باعتبارها ميزة حصرية لأصحاب الملايين، فلم تكن البنوك وقتها تمنحها لأي فرد.
رغم ذلك، فإنّ تاريخ بطاقة الائتمان نفسها قديم جدا، وقد يُصدم البعض حين يعرف أنّ العالم عرف تلك الوسيلة منذ أكثر من قرن، وتحديدا منذ 1920، حين قررت بعض الشركات في أمريكا أن تستخدمها للتسهيل على عملائها في عمليات الدفع، وكانت حينها الأمور مقتصرة على تسديد الديون أكثر من غيرها، لكن في 1950 تغير هذا المفهوم بالكامل حين بدأ بنك «أمريكان إكسبريس» و«فيزا» باختراع بطاقة «بيجيز» الائتمانية، وانطلقت التجربة من نيويورك، وكانت تُصنع البطاقة حينها من الكرتون، ومن خلالها بدأ تحصيل الرسوم من التجار، لكن مع زيادة الطلب بدأ يتم صنعها من البلاستيك، ثم دخلت عملاقة التكنولوجيا آنذاك شركة «آي بي إم» على الخط بإضافة شريط مغناطيسي من الخلف مع ذكر البيانات الأساسية للعميل وتواريخ انتهاء الصلاحية ورقم الحساب، وهذا يشبه إلى حد كبير الشكل المتعارف عليه حاليا.
وعلى مدار العقود الماضية، خضعت بطاقة الائتمان للكثير من التطورات، واستفادت كثيرا من التكنولوجيا، لكنها في النهاية ظلت ثابتة حتى أضحى 80% ممن تخطوا الستة عشر عاما يستخدمونها بمختلف أنواعها بحسب بيانات البنك الدولي 2023، لكن تلك المكانة اهتزت قليلا عام 2008 حين ظهرت لأول مرة عملة البيتكوين الإلكترونية، التي اعتمدت على التحويل الإلكتروني دون الحاجة إلى استخدام أي بطاقة، لكن عدم قانونية هذه العملة وغيرها في معظم بلاد العالم، حفظ لبطاقات الائتمان على الأقل مكانتها في الأسواق حتى عام 2014 حين قررت شركة آبل أن تدخل إلى السوق ولكن بطريقة قانونية هذه المرة.
مع انتشار الإنترنت والتغيرات التي جعلت الهاتف جهازا قادرا على إزاحة الكثير من الاختراعات مثل الكاميرات التقليدية والساعات التقليدية بل والتليفزيونات، جاء الدور على بطاقات الائتمان، فمع بلوغ «GEN Z» السن القانونية للمعاملات المالية، وهو جيل اعتاد على التجارة الإلكترونية أكثر من أي شيء آخر، مع وجود تلك العوامل كلها، طالب الكثير من مستخدمي «آبل» بإيجاد طرق أسهل وأسرع للدفع عبر الإنترنت، واستغلت شركة «آبل» تلك المطالبات فأسست «Apple Pay» التي تمكنهم من دفع مشترياتهم عبر الهاتف، ثم لحقتها شركة «Barclaycard» وهكذا بدأ الأمر في الانتشار حتى وصلنا إلى وسيلة «NFC» وهي تقنية اتصال قريب المدى عن طريق الهاتف، ومن خلاله يمكن للمستخدم استعمال تقنية الدفع اللاتلامسية بواسطة هاتفه فقط عبر تقريبه من «قارئ بطاقات الائتمان» في متاجر تدعم استعمالها، فيتم الخصم سريعا وتتم الاستعانة بالبصمة أو التعرف على الوجه لفتح البطاقة وإتمام عملية الدفع.
ورغم أنّ ابتكار بطاقة الائتمان احتاج نصف قرن على الأقل ليبدأ في مصر ثم ينتشر، لكن مع خدمة «Apple Pay» لم تكن المدة سوى 10 سنوات، فمنذ أيام أعلن المهندس إيهاب نصر، وكيل محافظ البنك المركزي المصري لنظم الدفع، أن خدمة «Apple Pay» تم تطبيقها بعد إجراء التجارب النهائية، وسيكون بنكا مصر والأهلي هما أول بنكين يسمحان باستخدام تلك الخدمة، وسرعان ما لحقهما بنك الـCIB ليكون البنك الثالث، وهي ثلاثة بنوك تسيطر على أكثر من 60% من الخدمات المالية والبنكية في مصر، ولم يتبق على باقي البنوك الكثير لتلحق بتلك الخدمة.
بالتأكيد لن يقتصر الأمر على أجهزة آبل سواء هواتف أو ساعات ذكية، فسرعان ما ستلحق الشركات الأخرى بالركب بجميع الأنظمة كعادة الاختراعات والوسائل الحديثة، لكن الأهم أنّنا نشهد لحظة فاصلة في تاريخ التكنولوجيا وهي تلخيص العالم كله في الهاتف، بداية من العمل ومرورا بالمشاهدة والتسوق وأخيرا الدفع، حتى بطاقات الائتمان التي كانت ذات يوم اختراعا ثوريا أضحى الآن يعد خطواته الأخيرة استعدادا للرحيل.