«تحرير الشام».. سلفية أم براجماتية؟

ماهر فرغلى

ماهر فرغلى

كاتب صحفي

هيئة «تحرير الشام»، هي جماعة سلفية جهادية، تشكلت في 28 يناير 2017 من خلال اندماج كل من جبهة فتح الشام (كانت تُعرف بجبهة النصرة سابقا) وجبهة أنصار الدين، ثم جيش السنة، ولواء الحق، وكذا حركة نور الدين الزنكي. 

بُعيدَ إعلان التأسيس، انضمت فصائل أخرى إليها، وتضاعفت قوتها حتّى سيطرت على باقي الفصائل، ومنها عناصر من حركة أحرار الشام التي تُعد جماعة سلفية أيضا.

تعد «العصائب الحمراء» هي قوات النخبة لدى هيئة تحرير الشام، وتسند إليها المهام العسكرية الصعبة والأكثر خطورة، ومنها معركة حلب وحمص الأخيرة، فيما تعتبر مؤسسة أمجاد للإنتاج المرئي هي الذراع الإعلامية لها.

سيطرت هيئة تحرير الشام على مناطق إدلب، وأقامت حكومة إنقاذ مدنية لتصبح جبهة مدنية موازية للفصائل المسلحة، وكانت تهدف إلى توفير الخدمات الاجتماعية، ونشر الأيديولوجيا، والتواصل مع المجتمع المحلي عن طريق المجالس المحلية، ولجأت لممارسة سياسات الإكراه ضد خصومها تحت حجج الإفساد في الأرض، التعاون مع الغرب أو النظام، إقامة شرع الله... إلخ، لذا فقد هاجمت الجبهة الشامية وتجمع «فاستقم» وصقور الشام وجيش الإسلام وجيش المجاهدين.

تتجسد هيئة تحرير الشام بهياكل تنظيمية هي: القائد العام للهيئة أحمد الشرع، وأسفله مجلس الشورى. 

ثم مجموعة من الأقسام هي: القسم الأمني، والقسم الدعوي، وقسم القضاء، والإدارة العامة للخدمات، والمكتب الاقتصادي العام، والقسم الإعلامي (وكالة أباة للإعلام، ومكتب الشؤون السياسية، والقسم العسكري).

أما حكومة الإنقاذ قبل دخول دمشق فهي تتشكل من: الإدارة المركزية للخدمات العامة، والتي يندرج تحتها مؤسسة الزراعة، ومؤسسة الخدمات الفنية، ومؤسسات الصرف والكهرباء والمطاحن، وكل منها أسفله مديريات خاصة بها في كل منطقة، إضافة إلى البلديات، ومجموعة من المكاتب الفنية والإدارية مثل الشرطة والنظافة.. إلخ.

ويلعب مجلس القضاء الأعلى والفتوى الذي يشرف عليه منظّرون فكريون مثل عبدالرحيم عطون هذا الدور التطبيقي للشريعة، حيث منحتهم الهيئة نفوذا داخل المجتمعات المحلية باعتبارها أداة لها مصداقية في فرض قانونها المبني على رؤيتها الخاصة للشريعة.

وتعتمد الهيئة على مكتب الدعوة والإرشاد للقيام بحملات التعبئة الأيديولوجية والحشد المجتمعي لمشروعها بين السكان المحليين.

أما أيديولوجية هيئة تحرير الشام، فهي تعتمد ما يسمى التطبيق الانتقائي والتدرجي للشريعة، حتى لا تصطدم بالمجتمع المحلي.

وهناك عدة آراء حول تخلي «الشرع» والهيئة عن أيديولوجية السلفية الجهادية، بأنّ الحركة وقائدها لا يحملونها لكنّهم لا يستطيعون الإعلان عن ذلك بشكل مباشر وإلا سيحصل تفسّخ للحركة.

وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ الهيئة تحوي فصائل متعددة، بينها تباين فكري واضح ما بين الجنوح للتشدد أو الإفراط في التخلي عن السلفية، إضافة إلى العناصر المناطقيين الذين لا يتبعون أفكارا بل ينتمون لأشخاص من مدينتهم أو منطقتهم، وهم يشكلون تقريبا نصف الهيئة، وكذا المنتفعون والمرتزقة، الذين يقومون بأعمال إدارية وأمنية مقابل أجر شهري.

ورغم أنّه لا يوجد للهيئة كتابات فكرية كثيرة فإنّه يمكن إجمال أهم الأفكار التي تعتنقها في التالي:

العذر بالجهل وعدم التكفير بالموالاة، وعدم تطبيقها لما يسمى قاعد التكفير بالتسلسل ومن لم يكفر الكافر فهو كافر، عدم تكفير الدول بشكل عام، وتحليلها لتلقى الدعم المالي من الدول، حتى وإن كانت كافرة، وجواز رفع علم الثورة بعد أن كانوا يصفونه بعلم الاحتلال الفرنسي، والسعي لدولة إسلامية سنية.

ويمكن القول إن أفكار الهيئة على العموم يمكن أن تشبه في نسختها الأخيرة جماعة الإخوان، أو تنظيم الجهاد المصري، مع تطور لاحق في إيجاز الديمقراطية، وإقامة حلف مع فصائل أو دول علمانية.