غواصو الصرف الصحى: جنود مجهولون داخل بالوعات مصر

كتب: محمد على زيدان

غواصو الصرف الصحى: جنود مجهولون داخل بالوعات مصر

غواصو الصرف الصحى: جنود مجهولون داخل بالوعات مصر

معظم الناس يعملون فى وظائف فوق سطح الأرض، وهم يعملون فى أعماقها، فى بيئة غير صالحة لأى إنسان، داخل بالوعات الصرف الصحى، حيث تكون مهمتهم دائماً شاقة، ولا تعرف إلا الخطر، سواء بالموت أو بالمرض، هم غواصو شركة الصرف الصحى، الذين يعملون فى بيئة لا تصلح لأى حياة، سوى أنها بعض أو كل مخلفات بنى البشر. مؤخراً قامت شركة مياه الشرب والصرف الصحى، بتأسيس قسم خاص للغواصين يعمل فيه حتى الآن 4 أشخاص، مدربين على استخدام أجهزة التنفس تحت الأعماق وداخل البالوعات. ويروى محمد أحمد عبدالوهاب الشهير بـ«ميشو»، أنه التحق بالعمل داخل شركة الصرف منذ عام 2009، وكان أول من يعمل فى مجال الغوص داخل المجارى، فعمله فى مجال الغطس بالإسكندرية مكنه من الالتحاق بالعمل كأول غواص فى الشركة، يعمل بأدوات مجهزة وتدريب على الغطس فى أعماق كبيرة تحت الأرض، حتى إنه عمل بعد ذلك على تدريب بعض زملائه الذين التحقوا بالعمل معه فيما بعد. يقول «ميشو»، 33 عاماً، إنه كان يعمل فى الإسكندرية فى مجال الغطس التجارى مع السفن العملاقة، ولكن بصورة حرة، ثم انتقل بعد ذلك للعمل فى الصرف الصحى، وهو المجال الذى يحبه، وتدرب فيه على يد عدد من المتخصصين، خاصة على يد أحد أطباء العيون. وأضاف «ميشو» الذى يدرس بكلية الحقوق بالجامعة المفتوحة، لـ«الوطن» إن عملية الغطس داخل المجارى، يجب أن تخضع لبعض الضوابط، لأنها فى الأساس مهنة قائمة على الدراسة، حيث يتم ربط الغواص بأحد الأحبال السميكة، بعد ارتداء بدلة الغطس، ثم يتم وضع النظارة بعناية على عينيه وجهاز التنفس، لأن أحداً لا يعلم جيداً ما يوجد داخل البالوعة، فأنت معرض لخطر يجهله الجميع. ويروى «ميشو» أحد أصعب المواقف التى مر بها طوال سنوات عمله الماضية، وهو حادث وفاة أحد زملائه داخل إحدى البالوعات: «عندما كان «عابد» يحاول إنقاذ أحد المواطنين، نزل إلى البالوعة دون جهاز التنفس أو بدلة الغطس، ما أدى لوفاته، نتيجة عمق المسافة داخل البالوعة»، ويستطرد «ميشو» قائلاً «أنا ساعتها كلمونى وجيت علشان أحاول أنقذه ولكن للأسف خرجت بيه ميت من داخل البالوعة»، ويستكمل «ميشو» ودموعه فى عينيه «عابد هو اللى ملحقتش أعلمه ومات»، مشيراً إلى أن المنقذ يجب أن يكون خفيف الجسد، وتحيط الحبال بكامل جسده قبل النزول. لدى «ميشو» طموح بقيام الشركة بتوسعة إدارة الغوص التى تم إنشاؤها فى 2014، على أن تشمل كافة محافظات مصر، ويتم من خلالها تصدير العمالة المصرية إلى الخارج خاصة الدول العربية، التى لا يوجد فيها هذا التخصص من العمالة. ويشير «ميشو» الذى يصل راتبه إلى 2000 جنيه، إلى أن مشاكل عمال الغطس فى المجارى ليست فى الرواتب، لكن المشكلة الرئيسية هى توفير تأمين صحى شامل عليهم، لأن غواص المجارى معرض فى أى وقت للإصابة أو المرض، نتيجة تعامله مع كافة المواد الموجودة داخل البالوعات، أو المواد السامة المنبعثة منها. ويروى «ميشو» تفاصيل إصابة شديدة تعرض لها، أثناء إنقاذه لأحد المواطنين: «تلقيت اتصالاً من الإدارة فى ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام لإنقاذ أحد الذين سقطوا داخل إحدى البالوعات ووصلت إلى موقع الحادث ولبست البدلة ونزلت داخل البالوعة واستطعت إنقاذ الرجل، لكن اكتشفت أن ذراعى تعرضت للكسر وأصابها نزيف داخلى، وتم نقلى إلى المستشفى على الفور لتلقى العلاج». ويؤكد «ميشو» أن عدداً كبيراً من مناطق القاهرة والمحافظات لديها مشاكل فى مواسير الصرف، التى تم تأسيسها منذ زمن بعيد، ولا تتحمل الضغط السكانى الحالى، موضحاً أن المناطق الراقية والقديمة فى مصر، تم تأسيس الصرف فيها بصورة تستوعب عدداً كبيراً من السكان، قائلاً «كان هناك تخطيط جيد، لكن الشبكات اللى اتعملت من سنوات قليلة مفيش فيها تخطيط سليم». أما ماهر محمدى أحمد، فيبلغ من العمر 49 عاماً، ويعمل فى مجال الغطس داخل المجارى منذ 12 عاماً، واستطاع «ميشو» أن ينقل خبرته إلى «ماهر»، الذى أصبح واحداً من أهم عمال الشركة فى مجال الغطس. قال ماهر لـ«الوطن» إنه كان يعمل ضمن عمال التشغيل والصيانة بالشركة، لكنه انتقل للعمل فى مجال الغطس داخل المصارف، وهو يحب عمله جداً، خاصة بعدما تعلم الطرق الحديثة فى العمل من زميله «ميشو». ويروى ماهر أخطر حادث تعرض له فى عمله على مدار السنوات الماضية، أثناء إصلاح إحدى البيارات فى منطقة الهرم، حيث كانت البئر ممتلئة بمياه الصرف لعمق كبير، وكانت البالوعة مسدودة بصورة سيئة، وأثناء محاولته إصلاحها، انقطع الحبل المربوط به وفقد جهاز التنفس، حتى سار داخل البالوعة لأكثر من 35 متراً، انتقل بعدها إلى بئر أخرى وفقد الوعى، وأضاف «فى اللحظة دى نزل ميشو يجيبنى من تحت، وكل الناس لما شافتنى قالوا إنى ميت، وبعد أن انقطع الحبل تعرضت لكسر فى كاحلى وأجريت جراحة، ما أدى لملازمتى الفراش لأكثر من 6 أشهر». يقول «ماهر» الذى يصل مرتبه إلى 2500 جنيه شهرياً، إن لديه 5 أولاد، لا يتمنون العمل فى مجاله بعد الحادث الذى تعرض له، قائلاً «ولادى بيقولوا لى احنا شوفناك وانت ميت وأنا لو مش بحب الشغلانة دى ماكنتش نزلت فيها بعد العملية تانى». ويتحدث «ماهر» عن المناطق التى يعمل بها، كونها لا تختلف عن بعضها قائلاً «المناطق فى مصر مش مختلفة عن بعضها، بنطلّع ملابس داخلية وجزم وطوب من داخل البالوعات، سلة الزبالة اللى الناس بتستعملها بتكون موجودة فى المجارى، كل حاجة تتخيلها ممكن تلاقيها جوه المجارى»، منتقداً المواطنين قائلاً «الجمهور بتاعنا وحش، تعامل الناس نفسها مش حلو». ويروى ماهر أن الناس لديها فضول كبير لمشاهدة تفاصيل عملنا أثناء إنقاذ من سقطوا داخل البالوعات أو إصلاحها، وذات مرة سقطت إحدى الفتيات من أبيها داخل بالوعة أثناء تصليحها فى حى الهرم، نتيجة أن والدها توقف للمشاهدة، فتركها إلى أن سقطت، ولكن استطعنا إنقاذها وخرجت بسلام.