قانون الضمان الاجتماعي.. من الدعم إلى التمكين

طبقاً للمادة السابعة عشرة، الفقرتين الأولى والثانية من الدستور، «تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى الحق فى الضمان الاجتماعى، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادراً على إعالة نفسه وأسرته، وفى حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة».

وتنفيذاً لهذا الالتزام الدستورى، وخلال الجلسة العامة المنعقدة يوم الثلاثاء الموافق 3 ديسمبر 2024م، أقر مجلس النواب عدداً من مواد مشروع قانون الضمان الاجتماعى المقدم من الحكومة، والذى يستهدف منح الفئات المستهدفة بالدعم مزايا عديدة، وتوحيد برامج الدعم النقدى التى تمنحها الدولة فى منظومة برنامج واحد يحقق توحيد الوعاء المالى، وتنظيم المنح بهدف تعظيم الاستفادة من الدعم، وصولاً للتمكين الاقتصادى للفئات المستهدفة، بما يكفل لهم حياة كريمة.

ومن المواد التى تمت الموافقة عليها خلال هذه الجلسة العامة، تلك التى حددت الفئات التى يُصرف لها الدعم النقدى، ونصت على أن «يُصرف الدعم النقدى المشروط (تكافل) للفئات الآتية، وهم الأسرة المعالة، أسرة نزيل مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعى، أسرة المجند، الأسرة مهجورة العائل، الأسر الفقيرة غير الواردة فى البنود السابقة».

كذلك، تمت الموافقة خلال هذه الجلسة العامة على المادة المتعلقة بشروط استمرار حصول الأسرة المستفيدة على الدعم النقدى المشروط (تكافل) بشكل كامل ودورى، والتى تستلزم توافر الشروط الآتية:

1- أن تلتزم الأسرة، بحسب الأحوال، بمتابعة برامج الصحة الأولية للأمهات والحوامل والمرضعات والأطفال أقل من ست سنوات، بما يشمل متابعة نمو الأطفال، والالتزام بكافة التطعيمات المقررة للأبناء، وذلك طبقاً لبرامج الرعاية الصحية التى يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص بالاتفاق مع الوزير المعنى بشئون الصحة.

2- أن يكون الأبناء فى الفئة العمرية (6- 18 سنة) مقيدين بالمدارس بنسبة حضور لا تقل عن 80% فى كل فصل دراسى، والأبناء فى الفئة العمرية (18- 26 سنة) مقيدين بمراحل التعليم فوق المتوسط أو التعليم الجامعى بشرط انتظام النجاح فى كل عام دراسى، ويجوز الاستثناء من شرط نسبة الحضور أو انتظام النجاح أو إتمام الدراسة فى السن المحددة للظروف القهرية التى يقدرها الوزير المختص طبقاً للضوابط والإجراءات التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

وتعليقاً على مشروع القانون سالف الذكر، وخلال الجلسة العامة المنعقدة لمناقشته، أكد المستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، أن فلسفة هذا القانون ليست فقط مجرد الدعم، وإنما التمكين الاقتصادى، فهو تخطى هدف لهدف أسمى. ومن جانبها، أكدت وزيرة التضامن الاجتماعى أن اشتراط التزام الأبناء بالحضور فى المدارس والجامعات لاستحقاق معاش تكافل فكرة مطبقة فعلاً فى الوقت الحالى، وأساسها بناء الإنسان، مؤكدة أن الحكومة تشجع هذه الأسر على انتظام أبنائها فى التعليم بنسبة 80%، مشيرة إلى أنه فى حالة رسوب الطالب لعذر قهرى، سيتم استثناء هذه الأسرة وسيتم منحها المعاش المستحق. وأوضحت الوزيرة أنه على مدار السنوات السابقة من تطبيق نظام تكافل لم تجد الوزارة صعوبة فى تطبيق هذا الشرط.

والإشادة واجبة من جانبنا بالفلسفة الجديدة التى تبناها مشروع القانون، كما عبر عنها كل من رئيس مجلس النواب ووزيرة التضامن الاجتماعى، والتى تستهدف الوصول إلى التمكين الاقتصادى للفئات المستهدفة، بما يكفل لهم حياة كريمة. ولأن الجواب يظهر من عنوانه كما يقولون، لذا نرى من الملائم أن يعكس مشروع القانون هذه الفلسفة الجديدة، وبحيث يكون العنوان على النحو التالى: «بشأن الضمان الاجتماعى والتمكين الاقتصادى للفئات المستهدفة». وربما يكون من المناسب الإشارة إلى بعض التجارب المقارنة فى هذا الشأن. ففى دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، وفى السابع والعشرين من شهر ربيع الأول 1446هـ الموافق الثلاثين من سبتمبر 2024م، صدر المرسوم بقانون اتحادى رقم (23) لسنة 2024 بشأن الدعم والتمكين الاجتماعى، ونُشر بالجريدة الرسمية فى ذات يوم صدوره، ودخل حيز السريان بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره.

وتحدد المادة الثانية من المرسوم بقانون اتحادى سالف الذكر الأهداف المرجوة منه، بنصها على أن «يهدف هذا المرسوم بقانون إلى دعم وتمكين مواطنى الدولة من خلال برنامج للدعم الاجتماعى يحقق ما يأتى: 1- تقديم الدعم للأسر الإماراتية من ذوى الدخل المحدود لتلبية احتياجاتها المعيشية وتمكينها من تأمين حياة كريمة لأفرادها. 2- توفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجاً فى المجتمع. 3- العمل على تمكين المستفيدين اقتصادياً بما يضمن لهم تحقيق الاستقلال المالى. 4- تعزيز ثقافة المسئولية المشتركة من خلال مساعدة المستفيدين للانخراط فى سوق العمل والمساهمة بدور فعال ومنتج فى المجتمع. 5- تقديم الدعم والإغاثة فى حال وقوع الكوارث والأزمات». والبين من هذا النص أن القانون لا يستهدف فحسب تقديم الدعم للأسر من ذوى الدخل المحدود، وإنما يرمى أيضاً إلى العمل على تمكين المستفيدين اقتصادياً، بما يضمن لهم تحقيق الاستقلال المالى.

وتحت عنوان «التمكين»، وطبقاً للمادة الثانية والعشرين البند الأول من المرسوم بقانون اتحادى ذاته: «تتولى الوزارة التنسيق مع الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية المعنية لإعداد برنامج متكامل لتمكين كل مستفيد يملك القدرة الصحية والمؤهلات التعليمية أو المهارات التى تُمكنه من العمل، وذلك من خلال:

أ- إعداد خطة تمكين تتوافق مع الحالة الصحية والاجتماعية والجاهزية المهنية.

ب- تطوير برامج التمكين المناسبة لتنمية قدرات المستفيدين وتمكينهم من الاندماج فى سوق العمل. ج- متابعة تمكين المستفيدين القادرين على العمل وفقاً لخطة التمكين بصورة دورية، للتأكد من مدى جديتهم فى البحث عن عمل وقبولهم لعروض العمل والتدريب المناسبة».

ويخول البند الثانى من المادة ذاتها «للوزارة إذا ثبت عدم التزام المستفيد بخطة التمكين، وقف صرف الدعم الاجتماعى وفقاً للضوابط والشروط التى يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء».

بقى أن نشير إلى ضرورة عرض مثل هذه المشروعات بقوانين للحوار المجتمعى، قبل مناقشتها فى مجلس النواب، تكريساً لمبدأ الحكومة التشاركية، والمعروفة أيضاً بالديمقراطية التشاركية أو الحكم التشاركى، وهو نظام سياسى يشارك فيه المواطنون بنشاط فى عمليات صنع القرار، ويكون لهم دور مباشر فى تشكيل السياسات والبرامج والمبادرات العامة. وعلى عكس الديمقراطية التمثيلية، حيث يتخذ المسئولون المنتخبون القرارات نيابة عن السكان، تؤكد الحكومة التشاركية على المشاركة النشطة للمواطنين فى الحكم على جميع المستويات، من المجتمعات المحلية إلى الحكومات الوطنية. وبعبارة أخرى، فإن نموذج الحكم التشاركى هو إطار لصنع القرار والحكم الذى يؤكد على المشاركة النشطة للمواطنين فى عمليات صياغة السياسات وتنفيذها وتقييمها. ويهدف هذا النموذج إلى تعزيز الشفافية والشمولية والمساءلة من خلال ضمان اتخاذ القرارات بالتعاون مع المتأثرين بها، وأخذ وجهات النظر والمصالح المتنوعة فى الاعتبار. والله من وراء القصد.